التخطي إلى المحتوى الرئيسي

إمبراطورية الفساد.. ضرائب علي سلع مضروبة !

  

    الصدفة البحتة هي ما قادت لإكتشاف خيوط نسيج الفساد الذي يبدو انه آخذ في الاحاطة بحياة الناس هنا.. ولأن الجهات التي وضعت يدها علي تلك الخيوط لا يهمها شأن مكافحة الفساد في شئ بقدر ما يهمها تحقيق الربط المالي وملء خزانة الدولة باموال الجبايات وقبل ذلك ملء جيوب اؤلئك المتحصلين الجباة؛ بقي الأمر سراً متكتماً عليه..
 بدأ كل شئ حين اكتشفت سلطات الضرائب ان كمية اطنان الحديد (سيخ ومواسير) التي تخرج من مصانع الخرطوم أقل من تلك التي تباع بواسطة وكلاء تلك المصانع .. فمثلا قد تخرج مائة طن سيخ أو مواسير من مصنع ما، لكن نفس الوكيل الذي استلم تلك الكمية يبيع في ذات الفترة المخصصة لتصريف تلك الكمية يبيع مائة وسبعة عشر أو ثمانية عشر طنا!!
  تتبعت سلطة الضرائب هذه العملية وعند مساءلة ادارات المصانع (بغرض تحصيل رسم الضرائب عن الكميات الزائدة، إدارات المصانع بررت ذلك بأنها تبيع للوكلاء بـ(الطن المتري) أما الوكلاء فيبيعون للمستهلك بـ(الطن العددي)، من هنا بحسب ادارات المصانع تنجم الزيادة والفرق بين الكميتين،
 ربما تكون سلطة الضرائب قد اقتنعت بهذا المبرر.. لكن العالمين ببواطن الأمور وبخبايا الصناعة والسوق في الخرطوم يقولون ان الوكلاء يطلبون من المصانع ان تزيد عدد المواسير والسيخ في الطن الواحد، فان كان الطن يعادل اثنان وخمسون (سيخة) واربعون (ماسورة) مثلا فان الوكلاء والمصانع وعبر تعديل المقاسات والاوزان يزيدون العدد الي ستة وخمسون في الاولي و خمسة واربعون في الثانية (مثلا ايضا) ما يعني ان تلاعب وغش بمقاييس واوزان ومواصفات المنتج يحدث فيزيد العدد عما هو قياسي ومتعارف عليه بل ومتفق عليه.
هذا التلاعب سيقود بالتأكيد الي كوارث تنجم عن انهيار مباني ومركبات هندسية بسبب عدم مطابقة الحديد المنتج للمواصفات الهندسية المطلوبة واللازمة لإنجاز العمل.. وهي عملية غش بائن .
 وما قيل عن مصانع الحديد ينطبق علي بقية الصناعات خصوصا تعبئة السكر التي تشهد تجاوزا شبيها حيث يتم انقاص الاوزان بصورة متعمدة.
ديوان الضرائب وسلطات الجمارك (بالمناسبة) لديها موظفين مقيمين بكل المصانع بصورة دائمة وذلك للرقابة وتحصيل كل قرش يخص السلطات.. وهذا يمثل اهدار لموارد الدولة ولقدراتها البشرية، كما يمثل سوء ادارة ويعكس ان اهتمام الدولة بالتحصيل بل مراحل خطيرة واصبح يعلو علي بقية اهتماماتها و أولوياتها، فهل يعقل ان يتم تفريغ موظفين من اصحاب الدرجات الوظيفية المتقدمة ومن ضباط شرطة الجمارك ليتبطلوا في المصانع؟؟
في المقابل لا تقوم سلطات المواصفات والمقاييس بعملها لضبط جودة السلع ومنع التلاعب والغش الكارثي الذي يهدد حياة الكثيرين تهديدا جدياً!!  فعلى ما يبدو ان ما يهم الحكومة هو تحصيل ضرائبها حتى علي السلع (المضروبة).

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...