التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عن جريمة الارهاب وقوانين مكافحتها

       الإرهاب ظاهرة اجرامية قديمة في اصولها؛ وحتي في العصر الحالي فان الإرهاب لم يوجد بوجود القاعدة أو داعش ولا بوجود منظمة التحرير الفلسطينية أو خلافها من المنظمات ،والدليل علي ذلك ترسانة المعاهدات الدولية التي تبنتها المنظمة الدولية والتي تهتم بمكافحة الانشطة الاجرامية (الإرهابية) خصوصا تلك التي تهدد الملاحة الجوية والبحرية، لكنها مؤخراً "ظاهرة الإرهاب" اضحت هاجسا مقيماً يشغل بال الحكومات والمنظمات الدولية والشعوب، 
  تزايد حجم الظاهرة الإرهابية حدا بمعظم دول العالم الي تبني تشريع /قانون منفصل يعني بمكافحة الإرهاب والأنشطة والمنظمات الارهابية، وعلي سبيل المثال سنت الولايات المتحدة عدد من القوانين تهتم بالإرهاب علي رأسها قانون (الوطنية) Patriot Act في سنة 2001 م ، 
كما سنت بريطانيا وكندا واستراليا عدد من القوانين الخاصة بالإرهاب ،
كما ان هناك عدد من الدول العربية التي عانت من  الظاهرة شرعت قوانين خاصة للإرهاب هي :-
- قانون الإرهاب المصري لسنة 1992م
- قانون الإرهاب الاماراتي- الجديد 2014م
- قانون الإرهاب المغربي 2003م
- قانون الإرهاب السعودي-الجديد 2014م
- قانون الإرهاب التونسي 2014م
- قانون الإرهاب  (السوداني) 2010م.

    برغم كل هذه الترسانة من القوانين الوطنية الخاصة بمكافحة الإرهاب وكل المعاهدات بهذا الخصوص ، وبرغم قوائم (الدول الراعية للإرهاب) و (المنظمات المحظورة)؛ الا ان كل هذه المنظومة من التشريعات والتدابير لم تفلح في محاصرة هذه الظاهرة والحد منها، بل هي في تفشي وتزايد دائم مع تزايد في وتائر العنف والوحشية..
   السبب الرئيسي لهذا الفشل هو ان القوانين (قوانين مكافحة الإرهاب) لم تأت بجديد بل هي لا تعدو كونها مجرد تفصيل جديد لما تنص عليه القوانين العقابية / الجنائية، وتكييف مسبق لما يمكن ان تتوصل اليه المحاكم دون حاجة الي تدخل السلطة التشريعية بقانون منفصل وخاص،
  فبنظرة في متن ونصوص تلك القوانين نجدها تعرف الإرهاب بشكل عام علي أنه " أفعال القتل والإختطاف والتدمير والحرق وبقية أشكال إستخدام العنف والقوة.." 
فقانون الإرهاب  المصري (1992) في مادته رقم (86) "ويتفق معه ايضا مشروع القانون المصري الجديد لسنة 2014م
يعرف الارهاب بـ :-
     " يقصد بالإرهاب في تطبيق أحكام هذا القانون كل استخدام للقوه او العنف او التهديد او الترويع ، يلجأ اليه الجاني تنفيذا لمشروع اجرامي فردي او جماعي ، بهدف الاخلال بالنظام العام او تعريض سلامة المجتمع وامنه للخطر اذا كان من شأن ذلك ايذاء الاشخاص او القاء الرعب بينهم او تعريض حياتهم او حرياتهم او امنهم للخطر او الحاق الضرر بالبيئه او بالاتصالات او بالمواصلات او بالاموال او بالمباني او بالاملاك العامه او الخاصه او احتلالها او الاستيلاء عليها او منع او عرقلة ممارسة السلطات العامه او دور العباده او معاهد العلم لاعمالها او تعطيل تطبيق الدستور او القوانين او اللوائح".
 وفي القانون المغربي يعرف الافعال بانها ارهابية في حالة :  
" إذا كانت لها علاقة عمدا بمشروع فردي أو جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف أو الترهيب أو العنف".
 في حين ينص قانون الإرهاب السوداني علي تعريف الارهاب في مادته الثانية بـ :
 "يقصد به كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أياً كانت بواعثه أو أغراضه يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردى أو جماعي ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بالأموال العامة أو الخاصة أو بأحد المرافق أو الممتلكات العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية أو الإستراتيجية القومية للخطر"  .
كما يعرف ذات القانون الجريمة الإرهابية    :
يقصد بها أي فعل أو الشروع فيه يرتكب تنفيذاً لقصد إرهابي ويشمل الأفعال والجرائم الإرهابية المنصوص عليها في الاتفاقيات التي وقعت عليها حكومة جمهورية السودان وصودق عليها وفق أحكام الدستور عدا ما تم استثناؤه أو التحفظ عليه  .
بينما ينص القانون الامريكي لسنة 2001م  
Patriot Act                                                                       
 ,ويعرف الإرهاب بأنه: "أي انشطة تنطوي علي تعريض سلامة وحياة بشر للخطر، وتمثل انتهاك للقانون الجنائي الامريكي ، وتهدف لإخافة او اكراه المدنيين والتاثير علي السياسة واجبار السلطة او التأثير علي سياسة الحكومة.
.  و للمفارقة فان اكثر تلك النصوص التي تعرف الإرهاب والفعل الإرهابي إحكاما هو الوارد في قانون الإرهاب السوداني ..وإن كانت كل التعريفات قاصرة لكونها تعريفات  لا تنبثق عن أساس في فقه القانون والحقوق وإنما عن نظرة سطحية لم تأتي بجديد يمثل علاجا ناجعا للظاهرة، كما أنها في الغالب متاثرة بوجهة نظر سياسية ومطبوعة بأهواء ورغبات حكومية اكثر من كونها تلبية لحاجة ومصلحة عامة.
إن جريمة الإرهاب ليست جريمة عادية ، فأخطر مافي الإرهاب ليس أفعال القتل والخطف والتكسير والإتلاف وليس المعاونة أو الإشتراك او الشروع او التحريض المعتبر قانونا لإرتكاب تلك الجرائم وليس كذلك في الإتفاق او الانضمام الي منظمات توصف بانها إرهابية ، إن أخطر ما في الإرهاب هو حالة الحض والتحريض والتسويغ المستمر والممنهج الداعية الي انتهاج العنف وتقديم المبرر الديني او السياسي الذي يحيل ارتكاب تلك الأفعال من كونها جريمة ينكرها حتي ضمير المجرم .الي كونها عمل بطولي 
ان الإرهاب في الاصل هو جريمة تلاعب بالركن المعنوي وبالحالة الذهنية لمرتكب النشاط اللإرهابي "أي بالقصد والعلم والنية" فهو عبث بالضمائر وتدليس وخداع للوجدان، ولو اردنا علاج ناجع وجب النص بوضوح في قوانين اللإرهاب وقوانين العقوبات علي تجريم هذا الحض والتبرير الممنهج والمستمر الذي يتلاعب ويعبث بالعنصر المعنوي بدرجة ترقي لعمليات غسل الدماغ.
                                                    ان اي جريمة تتكون من ركنين : مادي ، وهو ارتكاب الافعال المادية التي تشكل الفعل المنهي عن ارتكابه (الجريمة) و معنوي، ويقصدبه الحالة الذهنية ، أي وعي مرتكب الجريمة بما يأتيه من فعل ، بمعني أدق قصده ارتكاب الفعل مع علمه التام بنتائج ما يترتب علي الفعل من عواقب أو قصده وتعمده ترتيب تلك العواقب. ولا تكتمل إدانة المتهم باي جريمة إلا بعد التحقق من أمور ثلاث هي اثبات ارتكابه الفعل المادي، واثبات قصده أو تعمده أو علمه بحسب الحالة المطلوبة، واثبات العلاقة السببية الرابطة بين ما أتاه من فعل والاثار التي ترتبت بعد ذلك.
لذا فان الإرهابي الحقيقي ليس من يرتكب الفعل العنيف وانما من عبث باستيعابه وتلاعب بمنظومة قيمه التي تحكم قدرته علي ضبط الامور وصور له ان ارتكاب تلك الفظاعات ليس جرم وانما عمل يثاب مرتكبه من (الله) او يعتبر بطل قوميا او وطنيا حسب الحال.
 جريمة الإرهاب استحقت ليس مجرد نص خاص وانما قانون مستقل لكونها تختلف عن الجريمة العادية ففي الجريمة الإرهابية لا يقترف الجاني الركنان المعنوي والمادي لجرم الإرهاب ، اذ هناك جانٍ آخر هو الجاني الأصيل او الحقيقي يقوم بارتكاب العنصر المعنوي ، وعلي عكس حالات التحريض والاشتراك والاتفاق الجنائي ، فإن في جريمة الإرهاب الفاعل الاصلي ليس هو مرتكب الفعل المادي ، فمرتكب الفعل المادي هنا مغرر به ومسيطر عليه وخاضع لسطوة ونفوذ شخص آخر بل ويرقي لدرجة يصبح معها هو لا غيره أول ضحية ومجني عليه ، بينما ذاك "اآخر" هو الذي إرتكب القسم الاكبر والاهم من الجريمة ، أي إرتكب الشق المعنوي من الجريمة عندما قام بالتلاعب بالحالة المعنوية والقصد وعندما جهز مرتكب الفعل المادي نفسيا أو فقهيا أو ايدولوجيا..الخ، فاآخر في الغالب هو زعيم ديني / شيخ او زعيم قومي.
ان قوانين الإرهاب عجزت عن إستيعاب هذه الخصوصية وان كانت قد حاولت وضع تدابير لذلك عندما نصت علي ؛ وابتدعت مصطلحات "الدول الراعية للإرهاب" و المنظمات "المحظورة" إلا ان التدابير الموضوعة لمكافحة افعال تلك الجهات ينبغي ان تكون تدابير ذات جذر قانوني بينما التدابير التي ابتدعت تبقي تدابير ذات طابع سياسي "الدول الراعية" او ذات بعد اداري/ حكومي  "المنظمات المحظورة"وليس بعدا قانونيا عقابيا مباشر يلاحق الافراد لتطالهم يد العدالة مثلما تطال مرتكب الفعل المادي.
     ان الشخص الذي يعبث بذهن شخص شخص آخر ، فيخلط عنده المقاصد ويلبس عليه ماهو ممنوع ومجرم بما هو مشروع ومباح ويحدث في عقله وضميره لبس بين الفعل الجنائي /الاجرامي والكفاح والنضال والجهاد ، من يفعل ذلك هو الارهابي الاصيل والحقيقي الاجدر بالملاحقة وباشد العقاب بينما الآخر هو أقرب لكونه ضحية كما سبقت الاشارة. 
 فشلت قوانين مكافحة الإرهاب أيضا في ازالة التخليط الذي يلجا اليه "الإرهابي الاصيل" أي "الدول الراعية والمنظمات المحظورة" عندما تبرر افعالها الإرهابية بكون انها "جهاد/نضال/ كفاح..الخ" فتخلط بين العنف "المشروع والعنف غير المشروع ، مع كون ان ذلك التخليط يسهل ويمكن توضيحه مبدئيا بالقول؛ انه وفي عصر احتكار الدول والحكومات لممارسة العنف "العنف وفق القانون" لايجوز لأي شخص/ جهة/جماعة...الخ ان تدعي او تمنح نفسها او غيرها حق او مشروعية الاحتكام للقوة وتوقيع العقاب علي أي فرد أو افراد أو مجموعات ولا ان تمتلك مشروعية استخدام العنف لترويع آخرين مهما اختلفت معهم ؛ أما الدول التي تمارس العنف دون تقيد بنظام او بحقوق الانسان او بمبدأ سيادة حكم القانون؛ فلا تنتفع من هذا الاستثناء ، بمعني آخر فان الدول التي تمارس الإرهاب او ترعاه وتشجع عليه فهي لاينطبق عليها شرط احتكار القوة والعنف.إذ لابد من وجود سلطة "نظام حكم" معترف بها دولياً ومقبولة داخليا تسيطر علي الاقليم وتمارس كافة سلطات الحكومة المتعارف عليها حتي تستفيد من امتيازاستخدم القوة القانونية.
ان قوانين مكافحة الارهاب لم تأتي بجديد بل هي تفصيل وتكييف لما سبق النص عليه في القوانين العقابية .. و وصولاً لسن قوانين أكثر فعالية يجب:
 (أ) إعادة تعريف الجريمة الإرهابية تعريفا دقيقا في القوانين العقابية /الجنائية بحيث يتم التركيز بحيث يتم التركيز علي ما يميز الجريمة الإرهابية "وما يجعل فعل ما عمل إرهابي" يستحق تدابير مختلفة وعقوبات مختلفة ايضا و وصولا لنصوص تعاقب الفاعل الاصلي .
(ب) اعادة النظر في التدابير المتصلة بعولقب وضع دولة في قائمة "الدول الراعية للإرهاب" وجماعة في قائمة "المنظمات المحظورة" وتفعيل القوانين ذات الصلة لضمان محاصرة اشد للبؤر الإهابية .

      

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...