التخطي إلى المحتوى الرئيسي

دين و دولة !

هل للدولة دين؟؟، وإن كان، فما هو دينها؟؟ ام ان الدولة لا دين لها؟؟
وقبل تلك الاسئلة.. ماهو الدين؟؟ وماهي الدولة؟
  الدين، كمفردة لغوية بحتة (بكسر الدال) مشتقة من ذات مصدر (دين) بفتح الدال وتتشارك معها ذات الحروف.. ويؤديان لذات المعني والذي يقابله بالانجليزية Debt ، أي الالتزام المؤجل الناجم عن مقابل معجل، هذا في العربية اما في الانجليزية فان المفردة Religion ومصدرها يوناني Ligo فيعني الالتزام او الخضوع او العودة، هذا قبل ان يتطور المعني ليشير الي الايمان او طقوس العبادة، ثم تأخذ منحي آخر لتعني منظومة القيم الروحية والثقافية والاخلاقية، والتي تحدد منظور من يعتنقها للكون والحياة..الخ.
   اما الدولة، المؤسسة الوطنية التي تشتمل علي الارض-الاقليم/والشعب-الامة-المجموعة السكانية/والسلطة التي تمثل تلك المجموعة السكانية وتنوب عنها في ممارسة السيادة علي الاقليم-الارض وما عليه من بشر و موارد أخري...
    تاريخيا لم تكن علاقة الدين بالدولة والعكس، محل سؤال، ففي القرون الوسطي وما قبلها كانت الدولة دينية .. كانت الدولة (والناس) علي دين ملوكها، كان الملك/ الامبراطور/ السلطان/ الامير/ الخليفة,,الخ يمارس السلطة ممثلا للإله، وبتفويض منه، اذ كان هو ظل الله في الارض، وخليفته، وقبل ذلك بفترة زمنية كان الملك/ القيصر/الفرعون..الخ هو الاله نفسه ويستحق ان تؤدي له فرائض الولاء والطاعة الدنيوية والاخروية، كان يستحق مظاهر الاحترام والتبجيل وتؤدي له طقوس العبادة كاملة غير منقوصة... وساعد علي ذلك جمع الملك/ السلطان/ القيصر لكل السلطات في يده، اذ لم تكن هناك مؤسسات مستقلة لها سلطات محددة سلفا بقانون أو تشريع، فكان هو المشرع والمنفذ والقاضي والحكم الذي لا معقب لكلمته.
   لكن مع تخلق الدولة الحديثة وتطور مفهومها وبروز المؤسسات وتعاظم دور الشعب / الامة/ والمجتمع ومؤسساته المدنية والاهلية، بدأ دور السلطة/ الملك في التقلص والتضاءل لصالح سيادة و صوت الجماعة، وبالتوازي مع ذلك بدأ دور المؤسسة الدينية ايضا في التقلص كنيجة حتمية لمسايرة السلطة الدينية للسلطة الساسية/ الملك واندغامها فيه.
  لذا لم يعد (دين الدولة) محل سؤال دستوري او قانوني ، بل ولا حاجة للنص عليه، ولذا كان فصل الدين عن الدولة ضرورة لازمة لضمان عدم تجميع سلطات المؤسسات مرة اخري في يد فرد واحد.
  وفي العالم العربي الذي استجلب مفهوم الدولة الحديثة مؤخرا جدا (في القرن التاسع عشر)، وبدأت دول العالم العربي تعرف (مفهوم الدستور/ القانون الاساسي) ولكن مع الاسف نجح بعض المتنطعين في اقحام بند (الاسلام دين الدولة الرسمي) الي نصوص تلك الدساتير ، ولا أفهم ماذا كان الغرض من ذلك الاقحام؟ ..هل هو تمييز للدول العربية والاسلامية سياسيا ودستوريا عن غيرها من الدول  خصوصا تلك الغربية التي استوردنا منها مفهوم الدولة الحديثة (دولة المؤسسات المستقلة)؟؟ .. ام كان الغرض من ذلك هو مجرد تحقيق كسب للتيار الديني، اسلامي /أخواني/ سلفي؟؟،
 علي العموم أقحم هذا البند (دين الدولة، دين السكان)، مع العلم بان الدساتير ولطبيعتها التي تنشد الاستقرار و الديمومة فانه لاينص فيها الا علي الحقائق التي لاتقبل التغيير السريع والمبادئ والقواعد التي تضبط الحياة علي مدي متوسط علي الاقل، لذا لاينبغي النص فيها علي ان الدين الرسمي للسكان هو كذا طالما ان في مقدور اغلبية السكان (نظريا) ان يبدلوا دينهم في اي وقت!.
ومنذ اقحام ذلك البند أخذ في التمدد و التضخم ليطغي علي سائر البنود الاخري في الدستور وظهرت بنود اخري مستمدة منه علي شاكلة ( الاسلام مصدر أساسي/ رئيسي للتشريع...وبطلان اي قانون يخالف الشريعة الاسلامية ..الخ)،
  والسؤال الذي يشخص هنا هو هل المقصود من هكذا نصوص هو تقييد سلطة المشرعين (ممثلي الشعب المنتخبين) اي تقييد سلطة الشعب نفسه في التشريع لنفسه بمبدأ اسلامية الدولة؟ ام هو ضمان سطوة تيار سياسي معين ؟ ليستولي ويطغي علي كافة مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية ذاتها!!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...