التخطي إلى المحتوى الرئيسي

لماذا ترفض الحكومة التحاور مع الحركة الشعبية/قطاع الشمال

    الموقف الرسمي لحكومة المؤتمر الوطني فيما يخص الحوار والتفاوض مع حاملي السلاح بجنوب كردفان والنيل الازرق (الحركة الشعبية قطاع الشمال) والمتمثل في الرفض التام بمنتهي العناد والتعنت لمبدأ الجلوس والتفاوض مع الثوار أو المتمردين -سمهم ما شئت- ولو حتي عبر وسيط  لهو موقف يدعو للإستغراب والريبة وان كان يتسق مع عقلية النظام الذي لايتعاطي مع ازماته بجدية الا بعد وصول الازمة الي حافة الهاوية.
ففي السابق لم يكن نظام المؤتمر الوطني يرفض التفاوض مع أي جهة تحمل السلاح ولو كانت مؤلفة من شخصين لاثالث لهما! فهي فاوضت الحركة الشعبية في ابوجا منذ بداية التسعينات  ثم في اديس اببا ونيروبي وعدد من عواصم الشرق والغرب وفاوضت التجمع الوطني في القاهرة وفاوضت جبهة الشرق في اسمرا والاسود الحرة وفاوضت حركات دارفور مجتمعة ومنفردة في ابوجا وانجمينا والدوحة، فلماذا ترفض الان مفاوضة قطاع الشمال بالحركة الشعبية؟؟
 قد يقول قائل ان ارتباط قطاع الشمال بدولة الجنوب هو السبب، لكن هذه مجرد حجة واهية ومردود عليها ويلجأ اليها النظام ليخفي الاسباب الحقيقية التي تدفعه للتماطل في تسوية ازمة اقليمي جنوب كردفان وجنوب النيل الازرق، فماذا يضير المؤتمر الوطني ونظامه لوكان لقطاع الشمال ارتباط بدولة (اجنبية) فكل الحركات المسلحة من لدن الحركة الشعبية (الام) وحتي اخر الحركات لديها ارتباطات بدول معروفة بموقفها المعادي ليس للحكومة وحدها بل وللشعب ولسائر شعوب العالم الثالث ومع ذلك تفاوض معها النظام وابرم اتفاقات نفذ بعضها وبعضها ينتظر!!! فان كان للقطاع ارتباط بدولة الجنوب فذاك ارتباط معروف الخلفيات والاسباب بل وعلاوة علي ذلك فان لدولة الجنوب ارتباط بالسودان لم ينفصم بعد بحكم انها كانت جزءا من الدولة السودانية حتي 2011م. عليه يكون ارتباط قطاع الشمال بها ميزة وليست سبه.
ليس مبررا اذا ان يشترط نظام المؤتمر الوطني فض الارتباط بين القطاع ودولة الجنوب ويبقي مكتوف الايدي الي ان يحدث الفض الذي يطلبه!!! فحاملي السلاح في تينك المنطقتين هم مواطنون في الدولة السودانية وعلي نظام المؤتمر الوطني ان كان صادقا ان يسعي بكل ما أوتي ليفك الاتباط بينهم وبين دولة وجيش الجنوب لا ان ينتظر فقط! فالتهديد الذي يمثلوه هو تهديد لمجمل كيان الدولة ولايتسق والحال كذلك ان يبقي النظام في وضع الانتظار حتي تلبي شروطه! بل عليه ان يسعي لإزالة المهددات بنفسه.
ان ما يمنع نظام المؤتمر الوطني من مفاوضت قطاع الشمال في الواقع هو عقلية التجزئة التي تسيطر علي متنفذي هذه الحكومة، عقلية التجزئة التي تتعامل مع المشاكل بانتقائية غريبة وترتب الاولويات ترتيبا عجيباً حتي تصبح جزرا معزولة ولا رابط بينها. 
  فهذا النظام لا يعمد لحل مشكلة الا حين يواجه بها من كل الجبهات ولا يجد مناص من تسويتها، أي عندما تصبح مشكلته الاولي وهاجسه وصداعه الرئيسي. وهو عندما يضع مشكلة ما علي رأس قائمة اولوياته فانه يركز عليها بصورة كلية ويكرس كل جهوده ويوجهها نحوها حتي تخال الا مشاكل بخلافها! ويهمل باقي مشاكله ليس ذلك وحسب بل هو وفي سبيل حل المشكلة والازمة التي يعتبرها (مشكلته الاولي) غالبا ما يقدم علي ارتكاب (فعل او قول) يكون من شأنه ان يفاقم مشاكل اخري علي لائحة متاعبه الطويلة او يخلق مشاكل جديدة حتي.
وبسبب تعدد ازماته والطريقة البدائية التي يعالجها بها فان هذا النظام يعتقد (محقا) انه دائما بحاجة الي اعداء حتي يقدر علي الاستمرار في الخداع والمراوغة لمواطنيه، ومن يحتاجهم من اعداء هم الاعداء الضعفاء سياسياً وعسكرياً، وهو يستثمر ويوظف حالة العداء هذه بصورة ناجحة، 
ان النظام يعاني من حالة ضيق وانسدادات داخلية قاتلة، ولتأخير الانفجارات من الداخل  التي يمكن ان ينجم عن تلك الانسدادات (مثلما حدث في المفاصلة الشهيرة والمحاولة الانقلابية الاخيرة التي قادها بعض من اركان النظام!!) ولتأخير مواجهة تلك الانفجارات فان النظام يلجأ لتصوير خصومه علي انهم خطر داهم حتي يحافظ علي تماسك صفوفه ويخدر المجتمع فيكف عن المناداة بالمطالب الطبيعية " تحسين الخدمات، وتلبية الاحتياجات ...الخ"  بحسبان ان الظروف (الحرب) غير طبيعية. لذا لن يعمد لمفاوضة قطاع الشمال حتي يصبحوا هاجسه الاول او تخف الضغوط الاقتصادية التي تسببت في سخط جماهيري يشي بنذر انتفاضة او ثورة شعبية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...