لايزال مفهوم الدولة الإسلامية في طور التجريب رغم انصرام عقود كثيرة منذ بروزه الى حيز الوجود كغاية يؤمل الوصول اليها في مقابل وكبديل لمفهوم الدولة العالمية الحديثة ـ ولا نقول الدولة العلمانية ـ لان نموذج الدولة الحديثة مقدم كصيغة قابلة للتطبيق على كل مجتمعات العالم، بينما نموذج الدولة الإسلامية بافتراض اكتمال صيغته وتمام مقاربته لن يصلح للتطبيق الا في مجتمعات العالم الإسلامي فقط! وفي حين اتضحت تماما ملامح الدولة الحديثة بمؤسساتها واجهزتها وقواعد العلاقات بين تلك الاجهزة وبين الدولة ومواطنيها واحتكامها في الغالب للقيم الليبرالية ابتداء بالحريات السياسية والتعددية السياسية وتداول السلطة والحقوق المدنية وانتهاء بالحريات الشخصية والفردية، لم يقدم مفهوم الدولة الإسلامية أي ملمح متميز او جديد وانما اكتفت التيارات التي رفعت شعار الدولة الإسلامية بفرض بعض الشكليات والمظهرية على الحكام والمحكومين وتسمية برلمانها مجلس شورى.. ولا يزال السؤال المهم قائما، ما الذي يجعل دولة ما إسلامية ودولة اخرى غير إسلامية، مع كون الشعب في الحالتين مسلما؟!
لم تكن مصادفة ان تبرز اهم تجربتين للدولة الإسلامية في تركيا وايران، ففي البلدين قامت امبراطوريتان تقاسمتا السيادة على اقطار العالم الإسلامي «دولة الخلافة الإسلامية العثمانية في تركيا والدولة الصفوية في ايران»، لذا يمكن القول بأن سعي الشعبين التركي والايراني لتقديم انموذج للدولة الإسلامية ينطلق من شعور قومي مترسخ بالريادة في العالم الإسلامي ورغبة دفينة في استعادة امجاد تلك القوميات.
وبعقد مقارنة بين المقاربتين الإسلاميتين في تركيا وايران للدولة «الإسلامية» تتبلور الملاحظات التالية: اولا، كما سبقت الاشارة تأسست كلا التجربتان على خلفية تاريخية ذات ملامح متقاربة «العثمانية الصفوية».
ثانيا، انتظمت كلا الدولتين حركة تحديث وتمدين على النسق الغربي، ويتمثل ذلك في نهج مصطفى اتاتورك العلماني في تركيا والذي سعى لتطوير بلاده وتحديثها لتصبح دولة «غربية» وسياسات شاه ايران الذي قاد ايضا بلاده على طريق الحداثة وربطها بحلف وثيق مع الدول الغربية المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية.
ثالثا، شهد البلدان نمو الشعور القومي والديني وقيام تيارات تسعى لتقديم تجربة تقترب من التطلعات الدينية والقومية للذات والشخصية التركية والايرانية وللفكاك من التأثيرات الحضارية الغربية، وقد كانت ايران سباقة الى ذلك بقيادتها لثورة على حكم الشاه وتأسيس الجمهورية الإسلامية بقيادة الامام الخميني في اواخر سبعينات القرن الماضي، بينما كان التحديث اطول مدى في تركيا واقوى اثرا ولم تشهد نمو المد الديني فيها الا مع اواخر القرن الماضي وبدايات القرن الجديد بقيادة نجم الدين اربكان والحزب الإسلامي ولم تحدث في تركيا ثورة مماثلة لما حدثت في ايران وانما تطورت تجربتها «الإسلامية» في اطار مواعين النظام السياسي التركي ووصلت الاحزاب الإسلامية فيها الى السلطة والبرلمان عبر الانتخابات.
رابعا، وبينما يناضل في ايران اصلاحيون من اجل قدر ولو محدود من التحديث ومن اجل الفكاك من اسر وقيد المنظومة التقليدية المتمثلة في مؤسسات الثورة الإسلامية «مجلس الخبراء، ومجلس صيانة الدستور، ومجلس تشخيص مصلحة النظام والمرشد» تقود بالمقابل الاحزاب الإسلامية في تركيا كفاحا من اجل بعض الملامح والمظاهر التقليدية الإسلامية والتركية «قضية الحجاب».
خلاصة هذه الملاحظات هي ان مقاربة الدولة الإسلامية لاتزال بعيدة عن تقديم النموذج المتكامل للدولة الإسلامية بفلسفتها الخاصة وقيمها ومؤسساتها وقواعدها التي تحكم علاقات الحاكمين والمحكومين.. وان الفاعلين السياسيين الساعين لاقرار النموذج الإسلامي لا يزالون أسرى لمعادلة الحداثة والتقليد او العصر والاصل ولا يزالون كذلك مترددين بين مبادئ الليبرالية والتنوير وقواعد واحكام الفقه السلفي!
وفي الواقع ليست ثمة امكانية في عالم اليوم المنفتح والمتقارب بصورة تامة، ليس ثمة امكانية لتأسيس نموذج إسلامي للدولة يكون مستقلا ومنفصلا كليا عن المبادئ العالمية مما يجعل مقاربة الدولة الإسلامية محصورة في حيز ضيق هو حيز السياسات الخارجية والصورة الاعلامية لتلك الدولة، اذ لا يكفي اولا ان يطبق مجتمع ما النظم الإسلامية ليدعي انه اسس دولة إسلامية، ولا بد من توافر عناصر الدولة بالمفهوم المعاصر قبل ذلك.
ثم ان الدولة الإسلامية حتى بالمفهوم والحيز الضيق ذاك لابد ان تكون قوية ذات نفوذ ومصداقية خارجيا وذات قبول واستقرار داخليا ثم عقب ذلك يجب ان تسعى لان يكون لها دور في العالم الإسلامي وينطلق هذا الدور من قناعات ذات قاسم مشترك اعظم بين كل المجتمعات الإسلامية لتكون قادرة على التأثير في العالم الإسلامي، ثم ذات نفوذ لتسمع كلمتها بخصوص قضاياه في المنابر الدولية. ووفق هذه الشروط فان تجربة تركيا اقرب حاليا لتقديم نموذج الدولة الإسلامية، اذ تتمتع بمركز عالمي متميز «عضو في حلف الناتو ومرشحة لعضوية الاتحاد الاوربي» كما تتميز بقبول داخلي وان كان يتأثر بتداعيات قضية الاكراد التي تنعكس على صورتها الخارجية احيانا، كما انها ترسم وتطور لنفسها دورا في العالم الإسلامي وتلعب دور الوسيط بين العرب واسرائيل وبين العالم الإسلامي والغرب.
لم تكن مصادفة ان تبرز اهم تجربتين للدولة الإسلامية في تركيا وايران، ففي البلدين قامت امبراطوريتان تقاسمتا السيادة على اقطار العالم الإسلامي «دولة الخلافة الإسلامية العثمانية في تركيا والدولة الصفوية في ايران»، لذا يمكن القول بأن سعي الشعبين التركي والايراني لتقديم انموذج للدولة الإسلامية ينطلق من شعور قومي مترسخ بالريادة في العالم الإسلامي ورغبة دفينة في استعادة امجاد تلك القوميات.
وبعقد مقارنة بين المقاربتين الإسلاميتين في تركيا وايران للدولة «الإسلامية» تتبلور الملاحظات التالية: اولا، كما سبقت الاشارة تأسست كلا التجربتان على خلفية تاريخية ذات ملامح متقاربة «العثمانية الصفوية».
ثانيا، انتظمت كلا الدولتين حركة تحديث وتمدين على النسق الغربي، ويتمثل ذلك في نهج مصطفى اتاتورك العلماني في تركيا والذي سعى لتطوير بلاده وتحديثها لتصبح دولة «غربية» وسياسات شاه ايران الذي قاد ايضا بلاده على طريق الحداثة وربطها بحلف وثيق مع الدول الغربية المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية.
ثالثا، شهد البلدان نمو الشعور القومي والديني وقيام تيارات تسعى لتقديم تجربة تقترب من التطلعات الدينية والقومية للذات والشخصية التركية والايرانية وللفكاك من التأثيرات الحضارية الغربية، وقد كانت ايران سباقة الى ذلك بقيادتها لثورة على حكم الشاه وتأسيس الجمهورية الإسلامية بقيادة الامام الخميني في اواخر سبعينات القرن الماضي، بينما كان التحديث اطول مدى في تركيا واقوى اثرا ولم تشهد نمو المد الديني فيها الا مع اواخر القرن الماضي وبدايات القرن الجديد بقيادة نجم الدين اربكان والحزب الإسلامي ولم تحدث في تركيا ثورة مماثلة لما حدثت في ايران وانما تطورت تجربتها «الإسلامية» في اطار مواعين النظام السياسي التركي ووصلت الاحزاب الإسلامية فيها الى السلطة والبرلمان عبر الانتخابات.
رابعا، وبينما يناضل في ايران اصلاحيون من اجل قدر ولو محدود من التحديث ومن اجل الفكاك من اسر وقيد المنظومة التقليدية المتمثلة في مؤسسات الثورة الإسلامية «مجلس الخبراء، ومجلس صيانة الدستور، ومجلس تشخيص مصلحة النظام والمرشد» تقود بالمقابل الاحزاب الإسلامية في تركيا كفاحا من اجل بعض الملامح والمظاهر التقليدية الإسلامية والتركية «قضية الحجاب».
خلاصة هذه الملاحظات هي ان مقاربة الدولة الإسلامية لاتزال بعيدة عن تقديم النموذج المتكامل للدولة الإسلامية بفلسفتها الخاصة وقيمها ومؤسساتها وقواعدها التي تحكم علاقات الحاكمين والمحكومين.. وان الفاعلين السياسيين الساعين لاقرار النموذج الإسلامي لا يزالون أسرى لمعادلة الحداثة والتقليد او العصر والاصل ولا يزالون كذلك مترددين بين مبادئ الليبرالية والتنوير وقواعد واحكام الفقه السلفي!
وفي الواقع ليست ثمة امكانية في عالم اليوم المنفتح والمتقارب بصورة تامة، ليس ثمة امكانية لتأسيس نموذج إسلامي للدولة يكون مستقلا ومنفصلا كليا عن المبادئ العالمية مما يجعل مقاربة الدولة الإسلامية محصورة في حيز ضيق هو حيز السياسات الخارجية والصورة الاعلامية لتلك الدولة، اذ لا يكفي اولا ان يطبق مجتمع ما النظم الإسلامية ليدعي انه اسس دولة إسلامية، ولا بد من توافر عناصر الدولة بالمفهوم المعاصر قبل ذلك.
ثم ان الدولة الإسلامية حتى بالمفهوم والحيز الضيق ذاك لابد ان تكون قوية ذات نفوذ ومصداقية خارجيا وذات قبول واستقرار داخليا ثم عقب ذلك يجب ان تسعى لان يكون لها دور في العالم الإسلامي وينطلق هذا الدور من قناعات ذات قاسم مشترك اعظم بين كل المجتمعات الإسلامية لتكون قادرة على التأثير في العالم الإسلامي، ثم ذات نفوذ لتسمع كلمتها بخصوص قضاياه في المنابر الدولية. ووفق هذه الشروط فان تجربة تركيا اقرب حاليا لتقديم نموذج الدولة الإسلامية، اذ تتمتع بمركز عالمي متميز «عضو في حلف الناتو ومرشحة لعضوية الاتحاد الاوربي» كما تتميز بقبول داخلي وان كان يتأثر بتداعيات قضية الاكراد التي تنعكس على صورتها الخارجية احيانا، كما انها ترسم وتطور لنفسها دورا في العالم الإسلامي وتلعب دور الوسيط بين العرب واسرائيل وبين العالم الإسلامي والغرب.
تعليقات
إرسال تعليق