التخطي إلى المحتوى الرئيسي

جدل التاسع من يوليو


يوليو 2009
في السابق عندما كان يوم التاسع من يوليو يعني تاريخ بدء المرحلة الانتقالية وتكوين حكومة الوحدة الوطنية المنبثقة عن اتفاقية السلام الشاملة وبدء سريان دستور السودان الانتقالي لسنة 2005م، كان هذا التاريخ بالكاد يذكر، ولم ينل الاهتمام الذي يستحقه باعتباره مناسبة لتقييم ما تم انجازه وتقييم موقف العملية السلمية في السودان.
أما الآن ومع كل المتاعب التي تعاني منها حكومة الوحدة الوطنية والعقبات التي تعترض عملية التحول الديمقراطي والعراقيل التي تعوق اجراء الانتخابات العامة في موعدها المحدد سلفاً.. فإن ذلك التاريخ «9/7» اضحى عنواناً لجدل من نوع جديد يهدف للتشكيك في شرعية الحكومة بعده، ويمهد الطريق امام القوى المستفيدة من ذلك الجدل لتشكيل او الاشتراك في تشكيل حكومة جديدة تتولى اجراء الانتخابات.
وفي الواقع ما يثار حول شرعية النظام السياسي عقب التاسع من يوليو، لا يعدو كونه مجرد مماحكة سياسية مكشوفة وخطيرة، يسعى مثيروها لايجاد موطئ قدم لهم بعد أن اختاروا بمحض ارادتهم الانعزال عن المشهد السياسي طيلة السنوات الأربع الماضية، وهي مماحكة لا تخدم لأولئك الساسة اية قضية، لأن الحديث عن الشرعية الدستورية اولا لا يمكن أن يصدر عن طرف لم يعترف بالدستور يوماً، او على الاقل ظل موقفه من ذلك الدستور مشوبا بالغموض والتردد، سعياً لتحقيق مكاسب حزبية أو شخصية، وثانياً: فإن الدستور ذاته لم يتحسب لمسألة عدم الوفاء بالمواقيت والآجال المحددة فيه، او للظروف التي قد تقود لذلك التأجيل أو التعديل.
عليه فإن الحديث عن حكومة «قومية» تحل محل حكومة الوحدة الوطنية ليس له سند يمنحه المشروعية.. هذا علاوة على أن المشروعية الدستورية نفسها ليست أمراً جامداً ومعزولاً عما سواها من الظروف والملابسات، ولا يمكن أن تكون كذلك إلا في حالة أن يكون الدستور قد تمت صياغته وإجازته بواسطة برلمان شرعي «منتخب» ديمقراطياً، وتم عرضه كذلك على الشعب واجازه في استفتاء عام، وتم تحديد المؤسسات والأجهزة التي تحرسه وتفسره.
اما في الحالات التي يكون الدستور فيها منبثقاً وعاكساً لشرعية الامر الواقع او لشرعية القوة، مثلما هو الحال بالنسبة للدستور الانتقالي لسنة 2005م، الذي يمثل بالاساس ارادة المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وما اتفقا عليه في اتفاق السلام الشامل، عليه ومثلما كان الدستور عاكسا لإرادة الاقوياء «الفاعلين السياسيين» المباشرة، فإنه ليس ثمة ما يمنع أولئك من إعادة ادخال بعض التعديلات عليه بعد التقاء الارادتين واتفاقهما على ذلك.
إن الاخطاء السياسية التي وقعت فيها بعض القوى الحزبية المعارضة بما في ذلك حركة العدل والمساواة المسلحة وحزب الامة القومي، عندما رفضت الانخراط في العملية السياسية عقب توقيع اتفاق نيفاشا، لا يمكن تصحيحها هكذا ببساطة الآن، وفي اللحظات الاخيرة بادعاء عدم الشرعية بعد9/7/2009م، والدعوة لتكوين حكومة قومية يكون لها فيها وجود مؤثر..!! والتفاف القوى المحسوبة على معارضة الانقاذ الآن حول راية عدم الشرعية الدستورية والدعوة لحكومة قومية، يكشف فداحة فقر وبؤس رؤية الاحزاب السياسية، وبالتأكيد من يعجز عن مجرد المعارضة يعجز جداً عن الحكم وأعبائه.    

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...