التخطي إلى المحتوى الرئيسي

علي هامش الهامش ... قراءة مختلفة لواقع متخلف

 25-08-2004

    ازداد في السنوات الاخيرة استعمال مفردتي مركز وهامش لدرجة انها اصبحت من اهم مفردات لغة السياسة السودانية واستحال ان يخلو حديث او جدل سياسي من احداهما علي الاقل ، واصبح التهميش و الهامش احد القضايا المركزية المهمة في السياسة ؛ فباسم الهامش والمهمشين دارت احداث كثيرة أهمها و اخطرها ازمة دارفور (الدولية) التي تجاوزت مرحلة الازمة السياسية لتصبح حرباً اهلية و كارثة انسانية هذا عدا عن أحداث الشرق وتخوم الجنوب وأقاصى الشمال ... 
  هذا الواقع وهذه الادعاءات تفرض علينا طرح السؤال التالى : هل يمكن فعلاً تعليق كل الاشكالات والظواهر السالبة واخفاقات السياسية السودانية على مشجب التهميش  لما للاجابة على هذا السؤال من أهمية فى معرفة تأثير المعالجات التى قد توضع على مجمل أزمات الوطن .
  وللاجابة على هذا السؤال فانه وفى المقام الاول يصح القول بان التهميش هو مصطلح جديد على الفكر السياسى الحديث نفسه فليس بين الدول التى يصدق عليها وصف حديثه دولة سبق وأتهمت بانها مارست التهميش ، من ثم فأن مفردة تهميش بحاجة لتعريف منضبط ،اذ ان علوم الاقتصاد والاجتماع تعرف مفهوم التخلف وهو مفهوم يختلف تماماً فى دلالاته عن مفهوم التهميش الذى نتحدث عنه وعلى ضوء ذلك ان أردنا تعريف التهميش فيمكن ان نقول بانه عدم اهتمام الدولة بفئات من تركيبتها السكانية سواء كان عدم الاهتمام هذا سياسياً بعدم اشراكها فى الحكم والادارة أو اقتصادياً بعدم تنفيذ أى مشاريع تنموية لهؤلاء السكان ، وكما يكون عدم الاهتمام هذا قائم على أسباب عرقية فانه أيضاً قد يكون على أسباب جهوية (مناطقية ) .
  وعدم اهتمام الدولة بسكان أوبمناطق –حتى نفرق بين التخلف والتهميش – تعنى أن هؤلا السكان أو تلك المناطق تتوافر لها كل اسباب وعوامل ومقومات التنمية الاقتصاديه والتطور السياسي ورغم ذلك تختلق الدولة مبررات تعوق التنمية والتطور أوعلى الاقل تغفل وتتجاهل رعاية التنمية فيها .
  كما يصح القول أيضاً بان توصيف أسباب الصراع الجوهرية في السودان وقصرها علي اسباب عرقية او جهوية لهو عمل مضلل ومن ثم يعرقل جهود تحقيق تسوية جذرية ، وهو توصيف سطحى يفتقد للدقة وللتفكير السليم، فما يحدث ليس صراع مركز وهامش وانما هناك فئة تستقرفى المركز (ليس المركزكله ) هى التى تستفيد من التوجه السياسي للدولة وسياسات التنمية المتبعة - ان جاز هذا القول ؛ وتحقق مكاسب سياسية ومالية بصورة مضطردة وتعمل علي حماية هذه المكاسب بشتى الوسائل (( بالدين والعرق والجهة وخلافه ) هذة الفئة ( المركزية ) تتكون من افراد ياتون بالأساس من كل الاطراف ولو عدنا جيل أوجيلين الي الوراء لوجدنا المركزالذي يتحدثون عنه أرض جرداء وخاوية ثم إن مصطلح تهميش ظهر الى السطح في خصم صراع الحركة الشعبية ضد هذا النظام وبدأ الحديث عن الجنوب والمناطق المهمشة ذلك لان قضية الجنوب لم تعد بحاجة للمزيد من الأسانيد وانما فى اعتقادى – شعرت الحركة الشعبية بان تصوير الصراع على أنه بين الجنوب والشمال ليس فى مصلحتها السياسية ومن ثم ارادت ان تحشر النظام فى ((المركز )) بأن تلوح بقضايا كل المهمشين ...
وقد ترى الحركة ان ماقامت به هو خطوة سياسية مشروعة فى مواجهة نظام يمثل فئه محدودة تستفيد من إستمرار الوضع السائد وتعمل على تأليب جماهير الشعب ضد الحكومة بأساليب مختلفة ومبررات دينيه وعرقية وجهوية وسياسية لكن يظل من الضرورى وضع الصراع فى أطره الحقيقية لأن الانتصار على النظام لايعنى الانتصار علي الواقع المتخلف الامر الذى لايتحقق مالم تتم توعيه كل الشعب بالاسباب الحقيقية لمعاناته ومن ثم تكون المعالجات قاعدية وجذرية متزامنة فى كل أنحاء البلاد .
  كما أن مفردة تهميش تفترض وجود خطط تنمية منتظمة ومدروسة يجري تنفيذها قبل أن تفترض أن هناك تعمد إستثناء واقصاء مناطق محددة أومجموعات سكانية من هذة الخطط وتعمد إفقار تلك المناطق والمجوعات السكانية . بينما فى الواقع ان اشكال السودان الحقيقى هو غياب خطط التنمية المدروسة و المؤسسة على معطيات الارض و احتياجات الانسان و التى ترتكز على العلم فقط ان مشكلة السودان هى التنمية فى ذاتها و ليس توزيعها على مختلف المناطق .
  إن الاسباب الزائفة للصراع و المبررات الخادعة هي التى قادت البلاد للوضع المتردي الذى تقبع فيه حالياً ففى السابق كان يتم إلقاء اللوم علي الاحزاب وسلطتها فتأتى حكومات العسكر لتمارس ذات الفشل ثم يتم تحميل الدكتاتورية والتسلط مسئولية التدهور لتأتي الاحزاب وتبدأ دورة فشل جديد، واكبر دليل علي حالة الزيف والخداع التى تذخر بها حياتنا السياسية هو ماتقوم به الفئة المتسلطة حالياً اذ بدأت تتخلى عن الشعارات وتسقط الثوابت واحدًا تلو الاخر وثبت بذلك أن التمسك بالسلطة لحماية المصالح التى تعبر عن تلك الفئة هى البرنامج الحقيقى ، وان ما عداه أسباب لحماية المصالح التى تعبر عن تلك الفئة  و لمجرد الاستهلاك السياسي والاعلامي . 
   إن غياب الخطط التنموية الذي أفرز التدهور الأقتصادى المتسارع وتفشى الفقر وسط قطاعات واسعة من السكان يدل على أن التوصيف الحقيقى للحالة المسماة تهميش هو التخلف وأن مايعانى منه السودان شماله وجنوب شرقه وغربه هو درجات متفاوته من التخلف.
   إن حالات نمو والتطور التى شهدتها بعض المناطق وعلى رأسها المركزهى أشبه ما تكون بحالات نمو اعشاب الخريف بمعنى انه نمو لا يد للدولة فيه لكونه نمو فطري وبأسباب تشابه نمو العشب ( الامطار / خصوبة التربة ... الخ)  فلاسباب تاريخية واجتماعية هناك مناطق اكثر استعداداً لتقبل التنمية ومشاريعها وبالمقابل هناك مناطق عصبية على التنمية ولديها درجة إستجابة منخفضة في مواجهة كل ماهو حديث وهنا تبقى الاشارة الى أن علي علماء الاجتماع والتخطيط التنموي والساسة دراسة أسباب ذلك التخلف والعمل على معالجته وفق أسلوب علمي يعتمد على التجربة (الصواب / الخطأ ) فقط وعدم تكرار الأخطأ القديمة باللجؤ الى الحلول الميتافيزيقية والسحرية .
  إن تعليق فشلنا كله على شماعة التهميش هو أمر بائن الخطل ومقدمة منطقية لقشل جديد عند ذوال هذا التهميش المزعوم لان التخلف المتجزر والمستوطن سيبقى قائماً مالم يتم الالتفات اليه والعمل علي إستئصاله . إن حالة التخلف التى يرزح تحتها السودان لاتلام عليها الانقاذ وحدها كما لايمكن ان يوجه اللوم الي جهة سياسية تتحمل مسئولية هذا الواقع وانما يلام عليها مجمل الذهن السياسي السوداني علي وجه الخصوص ومن هنا فقط تكون البداية صحيحة .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...