التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الارهاب ليست له بيئة ملائمة في السودان

 ✍️ اكتوبر ٢٠٢١م

  ليس للارهاب بيئة مناسبة في السودان، فالطبيعة هنا قاسية و حارة معظم شهور السنة، و المنطقة فقيرة شحيحة الموارد، لذا فارض السودان ليست جاذبة لارهابيو الخليج المرفهون و لا ارهابيو الشام و شمال افريقيا و اوروبا و هؤلاء هم السواد الغالب لهذه الفئة؛ الدولة الاسلامية التي ولدت في العراق و سوريا و تغذت علي بيئة متذمتة في تلك البيئات راعت الخصوصيات الوطنية في تقسيماتها و "ولاياتها" فيما وضعت السودان ضمن حدود وهمية و خرافية ضمن ما أسمته ارض الحبشة!! 

  فمتي ضمت دولة الاسلام ارض الحبشة و السودان الي سلطتها و الي فتوحاتها؟؟ فالاسلام دخل بلاد الحبشة قبل ان يدخل المدينة المنورة، و رماة الحدق في اقليم دنقلا حالوا دون فتوحات عمرو بن العاص و عبدالله بن أبي السرح، و لم ينضم السودان و لا الحبشة لدولة الاسلام لا في عهد الخلفاء الراشدين و لا في عهد خلفاء بني امية و لا العباسيين و لا الفاطميين و لا حتي العثمانيين...

اهم من كل ذلك ان طبيعة الناس هنا الذين هم متدينون بطبعهم اصلاً؛ لا تميل للتشدد و التذمت و لا تقبله طويتهم السليمة.. و لا يقبلون وصاية دينية من كائن..

تديّن الناس هنا في الغالب علي نسق صوفي "روحاني" لا يميل للظاهر او المظاهر.. و عندما قبلوا التدين الاخواني قبلوه لأنهم متسامحون، و لأنه كان تدين اخفي باطنه المتذمت بظاهر متسامح و صوفي "بفقه التمكن" و التقية. و عندما اختبروه رفضوه و انكروه و اطاحوا بسلطته.

الوجود الارهابي الأجنبي هنا كان في السابق بسبب دعوة رسمية كما في زمن "المؤتمر الشعبي العربي و الاسلامي" حين تمت دعوة بن لادن و الغنوشي و الشيخ اليمني الزنداني و غيرهم من قادة المنظمات الارهابية الدينية و القومية..

و كانت المنح الدراسية في جامعات السودان تبذل بسخاء لعناصر التيارات المتشددة من مختلف انحاء العالم..

السؤال هو اذاً هل انتشار خلايا ارهابية تبع تنظيم الدولة الاسلامية في الخرطوم اليوم هل هو نقلة عادية للتنظيم بعد اندحاره في العراق و سوريا و اندثاره في ليبيا و مصر -ولاية سينا؟ ام هي خطة مدروسة؟

هل يعتقد أولئك المتطرفون ان البلد الذي اسقط احدي اطول تجارب حكم الحركات الاخوانية و الاسلاموية يمكن ان يحتويهم مجدداً و يجدون فيه ملاذاً؟

ام ان جهات مخابراتية تسعي لغرسهم هنا لقلقلة الانتقال الديمقراطي و للحيلولة دون تأسيس دولة حكم القانون؟ 

تنظيم الدولة -كما كل التنظيمات الارهابية- لم تتطور من تلقاء ذاتها و بقدراتها، انما تطورت في حواضن المخابرات العالمية و الاقليمية، و انتقالها للسودان في هذا الوقت لا يستبعد ان يكون بدفع من تلك المخابرات؛ لاسناد المخطط الرئيسي القائم علي دعم مؤسسات ضد مؤسسات داخل الدولة و قبائل ضد قبائل و حركات ضد حركات و احزاب ضد احزاب، و لتكون نار الارهاب هي الكفيلة بانضاج الطبخة التي جري اعدادها في مطابخ و مختبرات اجهزة استخبارات المنطقة الشرق اوسطية اللعينة!

بلادنا تعافت من وصمة رعاية الارهاب الدولي بعد ثورة ديسمبر المجيدة و الباسلة، و قد تكون اجهزتنا الرسمية راغبة في مكافحة الارهاب، لكن هل قدرتنا علي محاربة الارهاب تعادل قدرتنا علي رعايته؟

 هذا هو السؤال..

 انصار المخلوع من الاسلامويين الذين اتخذوا من احداث حي جبرة مناسبة للتباكي علي "وحدة مكافحة الارهاب" التي زعموا انها من ضمن وحدات هيئة عمليات جهاز الامن التي جري تسريحها!

 مع ان هيئة العمليات تلك تم منح افرادها مطلق حرية الاختيار بين التبعية لوحدات الشرطة فاختار معظمهم ان لم يكن كلهم التسريح! و لم يكن لها أصلاً أي اثر في مكافحة الارهاب بل فقط انحسر دورها في تقتيل المدنيين و المتظاهرين السلميين! بل ان مكافحة الارهاب لم تكن تحتاج لقوة القانون فعلي لسان الرئيس المخلوع جاء: ان له استراتيجية من ابتكاره لا تعتمد تطبيق القانون مع "الشباب الأغرار" -هكذا يسمي الارهابيين- انما اسلوب المراجعة و المناصحة، حيث يتم انتداب بعض الشيوخ المنتسبين للحركة الاسلامية المنحلة التي كان يحكم بها، لتقوم باعادة هؤلاء "الشباب" لجادة الدين المعتدل علي حد زعمه، مع العلم ان البشير نفسه ارهابي  و الشيوخ الذين انتدبهم لاغلبهم ابناء انتسبوا لتلك الخلايا التي كانت تخطط للقيام باعمال ارهابية ضد اهداف أجنبية "اولاً"، و هؤلاء الشيوخ هم من اشاروا له بتلك الاستراتيجية ليحموا اولادهم من سيف العدالة و القانون!

ثم ان الاستراتيجية تلك ليست من بنات افكارهم  بل هي تجربة يمنية نشرت عنها مجلة النيوز ويك الاميركية تقريراً بدايات العقد الاول من الالفية الثانية هذه، و عنوان التقرير علي ما أذكر "استراتيجية القاضي الحبتور" و الحبتور هو الشخص الذي اسند له نظام علي عبدالله صالح مهمة مراجعة و مناصحة ارهابيي اليمن الذين استطلعت المجلة بعض المفرج عنهم بعد "مناصحات الحبتور"، و الذين عادوا لصفوف القاعدة في اليمن، و قالوا للمجلة انهم كانوا يسخرون من الحبتور، و تعاملوا معه لأنه يسهل عملية الافراج عنهم ليواصلوا اعمالهم "الارهابية"! 

اخيراً؛ دور اجهزة المخابرات في كل دول العالم هو العمل الخارجي و التجسس لصالح الدولة و ليس التجسس داخلها و عليها، و العمليات العسكرية تحديداً يمتنع عليها ان تقوم بها داخل الدولة انما فقط في الخارج و بتفويض من الرئيس.. الامن في الداخل مسؤولية وزارة الداخلية و قوات الامن و الشرطة التي تتبع لمؤسسة وزارة الداخلية، هذا الا في السودان حيث تصر المخابرات علي التخابر داخلياً؟!!!! 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم تفريغ الجامعات والمعاهد من اي مضمون واضحت الدرجات العلمية مجرد القاب مملكة في غير موضعها...     فاحاديث الرجل لا توحي بشئ في هذا المضمار.. التخصص، كما ان المعلومات المتوافرة في قصاصات الصحف ولقاءات الاذعة لم تفصح عن شئ ايضا!    السيرة الذاتية المتوافرة علي موقعي البرلمان السوداني 'المجلس الوطني' و البرلمان العربي تقول ان البروف-الشيخ حاصل علي بكالريوس العلوم في الفيزياء و ايضا بكالريوس الاداب-علوم سياسية من جامعة الخرطوم! ثم دكتوراة فلسفة العلوم من جامعة كيمبردج. اي شهادتين بكالريوس و شهادة دكتوراة. مامن اشارة لدرجة بروفسير "بروف" والتي يبدو ان زملاءه في السلطة والاعلام هم من منحوه اياها!!    سيرة ذاتية متناقضة وملتبسة تمثل خير عنوان للشخصية التي تمثلها وللادوار السياسية والتنفيذية التي لعبتها!    ابرز ظهور لشخصية الشيخ-البروف كان ابان صراع و مفاصلة الاسلاموين، حينها انحاز البروف لف

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بينها ع

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانتهازيين علي اختلاف مشاربهم ( مؤتمر وطني، و مؤتمر شعبي،اخوان مسلمين، سلفيين، سبدرات، وابوكلابيش، والراحل شدو، اتحاديين الميرغني، و حاتم السر، و الدقير، و احمد بلال، واشراقة سيد، و احزاب امة مسار، و نهار، و مبارك المهدي، وحسن اسماعيل.. الخ ) و غيرهم يحاولون جميعا تصوير الأمر علي انه يعني سقوط البشير لوحده!   البشير لم يسقط وحده، فهو يرمز لعهد باكمله، و يرمز لاسلوب في الحكم و الإدارة وتسيير الشأن العام ( السياسة )، و بسقوطه سقط مجمل ذلك العهد و اسلوب الحكم و السياسة و الادارة..   و سقط ايضا كل من اعانوه او اشتركوا معه و كانوا جزء من نظامه في اي مرحلة من مراحله المقيتة. و حين تقوم مؤسسات العدالة وتنهض لاداء دورها سيتم تحديد المسؤوليات بدقة و بميزانها الصارم و سيتم توضيح ( من فعل ماذا؟ و من تخاذل متي؟ ). البشير لم يحكم وحده حتي وان استبد في اخريات ايامه و سنوات، بل كان له مساعدون و اعوان في ذلك الاستبداد و داعمين لان