التخطي إلى المحتوى الرئيسي

نادي القضاة و نادي اعضاء النيابة العامة

  لأن بعض المهن ذات طبيعة خاصة و عالية الحساسية و محكومة في الاساس بقوانين خدمة خاصة بها، و تدابير انتساب و انهاء وظيفة و عزل و ترتيبات تسيير خاصة و لا تنطبق عليها قواعد قانون الخدمة المدنية، و لا يسمح لمنسوبيها بالالتحاق بنقابات العمال بل و لا يسمح لهم بتكوين نقابات عمال مطلبية بالمفهوم العادي حتي و إن كانوا يقومون بعمل مدني صميم كوظيفة القضاة و وكلاء النائب العام و الدبلوماسيين و شاغلي الوظائف الفنية بالبنك المركزي، أو عسكريين كضباط و جنود الشرطة و الاطفائين (الدفاع المدني) و الضباط و الجنود المقاتلين (هناك بعض الانظمة المتقدمة جداً تسمح لأفراد الشرطة - باعتبارها جهازاً مدنياً في المقام الاول- بتشكيل نقابة كفرنسا، لكنه نموذج نادر).

و حتي لا يحرم اؤلئك الموظفين و الجنود من كامل حقوق التجمع و التنظيم (و حق الانضمام لنقابة تدافع عن مصالحهم) و حق التضامن و تقوم بوظيفة الرابطة الإجتماعية و المهنية و تحمي المركز القانوني لهم ابتكرت اغلب النظم الحديثة اسلوباً بديلاً للنقابات العامة و قررت شكلاً خاصاً من التنظيم المهني من أمثلة ذلك الشكل البديل نظام أندية الموظفين أو القضاة أو الضباط و الجنود.. الخ و قررت ان ادارة تلك الاندية تكون ممثلة تمثيلاً حقيقياً و يتم انتخاب لجانه انتخاباً حراً.
ما يعنينا هنا هو أندية القضاة و وكلاء النائب العام لما تمثله تلك المهن و ما يمثله المنشغلين بها من أهمية في التأسيس لدولة حكم القانون خصوصاً في حالة كالتي تمر بها بلادنا بعد سنوات من سيادة نظام الافلات من العقاب و اللا قانون (عسي ان نجد سانحة مستقبلاً لتناول روابط و اندية العاملين بالمصرف المركزي و الدبلوماسية و القوات العسكرية).
ان اندية القضاة و و كلاء النائب العام في السودان هي تجربة وليدة افرزتها حالة الحراك الجاري حالياً .. و كان النظام الحاكم في السابق قد حصرها في مجرد مقرات "دُور" كدار القضاة و دار المستشارين "لمستشاري وزارة العدل" و انحصرت وظيفتها في استضافة بعض الانشطة الترفيهية كجلسات شرب الشاي و القهوة و استضافة حفلات الزواج الخاصة بالاعضاء و أسرهم!! كما ان ادارة شؤون تلك الدور كانت تتم بالتعيين من رئاسة الجهاز المعني أو الوزارة!
و بما ان وظيفة تلك الدور "الاندية" اكبر من مجرد ملتقيات حول اكواب القهوة و طاولة الورق "الكوشتينة" و الاعراس، انما بالاساس و الاصالة تعني بقضايا المهنة و سُبل تطويرها و بحماية جهازها و منتسبيه من تغول و تدخل السلطات السياسية و الأمنية و تُعني كذلك بحقوق منتسبيها و تحميهم من الفصل التعسفي و المضايقة..
ان نادي القضاة و نادي وكلاء النائب العام تمثل مع باقي المنظومة المدنية المجتمعية ضمانة من ضمانات مبدأ سيادة حكم القانون و من حرس قيم استقلال القضاء و استقلال النيابة العامة و احترام حقوق الانسان كافة.. عليه يجب ايلاء هذا الشكل التنظيمي حقه من الاهتمام و اضفاء الاعتراف الرسمي به.
و كنا قد طالعنا قبل أيام مسودة تشريع هادف لاصلاح اجهزة الدولة العدلية فنرجو ان يقوم القائمين عليه باعتماد نادي القضاة و نادي الوكلاء كجزء اصيل من منظومة العدالة و ذلك بافراد فصل فيه تضع اسس قيام هذه الاندية و قواعد عملها و علاقتها باجهزة الدولة العدلية.
و حتي قبل سن التشريع نرجو ان تقوم رئيسة السلطة القضائية و يقوم النائب العام كلٌ في مجاله بالنظر في امر هذه الاندية الموجودة حالياً و العمل علي اعادة تأسيسها بحيث تمثل العالمين بتلك الاجهزة تمثيلاً حقيقياً و شرعياً لا إفتئاتاً.
نرجو كذلك ان يقوم اهل الخبرات القانونية ممن تقاعدوا أو في سبيلهم للتقاعد و علماء القانون من الاكاديميين بتكوين الجمعية القانونية السودانية لتعمل علي تأطير و توثيق التجربة القانونية السودانية و مسيرتها بين الصعود الي ذري دولة العدل و حكم القانون و ارتداداتها الي منظومات افلات من العقاب و تحيزات.. و لدعم الاتجاهات الايجابية فيه و المشاركة مع كليات و معاهد القانون و نقابة المحامين و الاجهزة العدلية و التشريعية لتدعيم ثقافة حكم القانون و حقوق الانسان و محاربة الفساد .. الخ.

نوفمبر ٢٠١٩م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...