التخطي إلى المحتوى الرئيسي

احزاب المعارضة و ازمتها الخاصة

  الاحزاب والحركات التي تتسيد وتمرح في الساحة السياسية اليوم كلها ثبت عجزها وفشلها في فهم مشاكل السودان وعن ايجاد حلول لها. اعني احزاب المعارضة هنا لأن مايسمي بالحزب الحاكم "المؤتمر الوطني" لا يصدق عليه وصف ومسمي حزب.
تلك الاحزاب تعتبر بحق جزء اصيل من المشاكل والأزمات ولا يمكن بحال ان تكون جزء من الحل. في الفترات السابقة اكتشف السواد الغالب من اعضاء تلك القوي هذا الفشل والعجز وانفضوا عنها،
  اما الذين بقوا فقد بقوا لاسباب لا علاقة لها بالسياسة بل بعضهم لاسباب خاصة اجتماعية او عاطفة تاريخية او لاسباب مصلحية ذاتية او يعملون لمصلحة اجهزة الحزب الحاكم .
   معظم قيادات الأحزاب يبررون فشل احزابهم واستمرارهم في التشبث بالمناصب والمراكز الحزبية لأربعة عقود وخمسة احيانا بأن القمع والديكتاتوريات اجبرتهم علي ذلك ولم تسمح لهم بعقد مؤتمراتهم و نقل السلطات داخلها! وهذا مبرر واهي ولا يقل نفاقا عن المبررات التي تسوقها السلطة نفسها "العدوان الخارجي و الاضطرابات الداخلية" كمبرر لاستمرار قبضتها و تسلطها!
   نقول لقادة احزاب المعارضة ان السلطة لا يتصور منها ان تسهل عمليات الانتقال الديمقراطي الحزبي المعارض ولا يتصور ان تنتظر المعارضة تسهيلات او "حوافز" من السلطة الديكتاتورية !!
   فالمكتسبات الديمقراطية تتحقق بالمقاومة والصبر وبالذكاء والحنكة السياسية لا بالخمول والانتظار والغباء السياسي! وان الحكومة الديكتاتورية لا تستطيع ان تجبر قادة الاحزاب علي المكوث في مناصبهم لنصف قرن لو ان اؤلئك القادة كانوا مؤمنين باهمية التجديد ونقل سلطات اتخاذ القرار لقيادة واجيال جديدة! 
  احزاب لا تزال تقوم علي الوراثة و الصلات العائلية والمحسوبية الاجتماعية وتتحدث عن مبادئ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية!! احزاب تقوم علي الشلليات والمعارف لا يمكن ان تقود مجتمع يسعي لدخول دنيا عدالة وتساوي الفرص وحكم القانون!!
   ان احزاب تعجز عن حل مشاكلها هي اعجز عن حل مشاكل بلد ومجتمع بحاله! واحزاب تنساق خلف خيارات وخدع اجهزة الامن وسكرتارية جهاز الحكم السياسي "المؤتمر الوطني" لا تؤتمن علي خيارات شعب!
   لقد افسد المؤتمر الوطني الحياة الحزبية والسياسية عبر سياسات الاغراء بالاموال والوظائف والعطايا لاستقطاب مؤيدين، لكن المصيبة هي ان حتي عضوية احزاب المعارضة صارت تعتقد ان هذه هي الحياة السياسية والحزبية! فهي لا تستمع ولا تنقاد الا للرموز والقيادات التي بمقدورها الاغراء بالمال والنفوذ..
   نسي الناس ان الاحزاب في الاساس هيئات تطوعية تقوم علي الاستعداد لبذل المال والجهد لانفاذ قناعات وتحويل تلك القناعات لبرامج وخطط دولة ومجتمع، وانها ليست هيئات تنفيذية او شركات ولا بيوتات مقاولات تنفذ خطط وبرامج من يدفع ويمول، وان من يقودها هو من يظهر مقدرات سياسية وادارية وحنكة قيادية لا من يدفع اكبر سهم! او من يرث!
   وهي كذلك ليست اجهزة حكومية عضويتها موظفين او يتصرفون كالموظفين الرسميين ينفذون التوجيهات وبتلقون الرواتب والحوافز! ان الاحزاب مؤسسات مجتمع، مجتمع مدني يتألف من مواطنين لديهم الحق الأول والكلمة الأولي وهم من يقررون من يحكم وكيف، ومتي ينصرف.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...