11 ديسمبر 2004م
رغم تعقد وتصاعد الأزمة السودانية و وقوفها منذ سنوات علي اعتاب الأزمة الشاملة؛ بهذا التنفيس الذي يطرأ عليها بين الحين والآخر عبر الانفجارات التي تحدث هنا او هناك بهذا المبرر أو ذاك؛ آخذة طابع التمرد المسلح، والثورة الاجتماعية، والتمرد الثقافي؛ كحلول جماعية حينا، او الذهول والانطواء والعبث و مسايرة الطوارئ كحلول فردية احيانا اخري؛ للتعبير عن رفض الواقع الذي تشتد وطأته، فان الشق الاقتصادي للأزمة يظل بالتأكيد احد اهم ابعاد تلك الأزمة بل والأم التي تربت في حجرها كل تلك الازمات.
فعندما عجزت الدولة السودانية عن تلبية حاجات المجتمع وطموحه في ايقاف تدهور البني التحتية، و رفع معدلات الدخول و تحسين مستويات المعيشة؛ وعجز المجتمع السوداني عن فهم الاسباب الكامنة وراء ضوائق المعيشة تلك التي شرعت تطحنه، انفتح الباب علي مصراعيه امام الحلول التبسيطية الساذجة التي كانت مقدمتها 'انقلاب عسكري/انتخابات مدنية'، ثم انحدرت الي حروب اهلية ثم دعاوي انفصالية اخذت تعصف ببقايا البناء المتداعي .. تزامن مع ذلك ضمور القوي الديمقراطية وتراجعها امام برابرة استلاف الماضي وامام تفشي ثقافة العنف الجسدي والفكري، وتراجع مجمل القوي الحديثة لصالح ظاهرة "السلفنة" تلك وبدرجات متفاوتة تبدأ من الانحياز التام وتنتهي بالخضوع لها ومهادنتها، وبالتالي الاستسلام لاجندتها المفروضة والتخلي عن مناقشة الاجندة والقضايا الوطنية وعلي رأسها قضية الاقتصاد السوداني؛ اسباب انهياره وامكانيات استنهاضه من جديد.
المجتمع ونظريات الاقتصاد
بنهاية سنوات الرخاء والرفاهية القليلة التي اعقبت الاستقلال بدأت النخب الحاكمة تستبين ملامح المعضلة الاقتصادية الرابضة تحت اكداس الأوراق التي خلفها الجهاز الاستعماري وراءه،
من حينها ايضا بدأ انحراف النخب السياسية عن سبيل ارساء دعائم اقتصاد قوي ومتوازن يحقق العدالة الاجتماعية والتنمية ويجنب البلاد اهوالا لاحقة "راهنة الأن" .. فمع استفحال المعضلة وتعدد وتشعب اعراضها التي تحولت من مظاهر الي ظواهر ثم ازمات قائمة بذاتها تمثلت في اتساع دائرة الفقر، وتمدد طوابير البطالة، وانخفاض المداخيل، وما صحب ذلك من انفتاح ابواب الهجرة والاغتراب والنزوح، وتضخم سوق التجارة والأنشطة الهامشية 'غير المنتجة' من سمسرة و وساطة وخلافه، كانت المعالجات المطروحة تتمثل في التلويح بنظريات علم الاقتصاد، اذ انقسمت النخب الي فريقين، فريق يدعو للاشتراكية وامتلاك الدولة لوسائل الانتاج وحصر الملكيات الخاصة في أضيق نطاق، وآخر ينادي بالراسمالية وفلسفة السوق الحر الذي لا حدود لحريته، وانضم اليهم مؤخرا فريق ثالث يسبح بحمد نظرية اسلامية في الاقتصاد...!
لم يخطر ببال أؤلئك الفرقاء ان النظريات لاتقدم حلول سحرية لأنها جميعا تتعامل مع واقع موحد هو واقع انسان في مجتمع حديث له سلطة منظمة، وتنطبق علي موضوع واحد هو المال والعمل وتقنيات الانتاج وعوامله الأخري"بيئة العمل، الاستقرار السياسي، الاطر القانونية..الخ"، وهدف واحد هو تحقيق الرفاهية وتحسين مستويات المعيشة.. ومالم يكن الواقع مهيأ لاعمال النظرية 'اي نظرية' فيه، ومالم يكن الموضوع علي درجة من الاستعداد والكفاءة الذاتية "تجاوز مرحلة الاقتصاد البدائي"، ومالم تكن الأهداف محددة و واضحة، فانه ليس بوسع اية نظرية كانت ان تحرز تقدم ملموس او تقدم حلول الاشكالات الاقتصادية .. وما يجدر قوله هنا، ان نظريات علم الاقتصاد الاساسية "الراسمالية والاشتراكية" خرجت من رحم واقع واحد هو واقع الانسان الأوروبي الذي عاش في ظل مجتمع دخل اطوار الحداثة 'القرنين السابع عشر والثامن عشر' وانصهرت تلك النظريات بعوامل مال وايدي عاملة..الخ التي مثلت ماكينات الثورة الصناعية الضخمة شعارها و رمزها الأساسي، هذا الواقع وتلك العوامل الموضوعية لم تتوفر للاقتصاد السوداني بعد عندما بدأت النخب تلويحها بالنظريات ولم تتوافر حتي اللحظة.
اما النظرية الرابعة أي الاقتصاد الاسلامي " حازت الاشتراكية الديمقراطية بجدارة علي صفة طريق ثالث" فأمرها عجب، اذ هي مجرد مبادئ قليلة، غير دقيقة في التوصيف والتشريح والمعالجة، وتلك المبادئ بذاك الوصف ايضا سادت في ظل اقتصادات اقل ما يمكن ان توصف به هو كونها بدائية جدا " دولة المدينة، بنو امية، بنو العباس، والدويلات التي عاصرتها وخلفتها"، تم تجميع تلك المبادئ علي عجل بواسطة سياسيين "اسلامويين" وليسو علماء اقتصاد او مفكرين اقتصاديين، وذلك عندما داهمت التطورات التيار الاسلاموي في السودان ونقلته سريعا من خانة جماعة ضغط الي حزب سياسي ثم الي سلطة مطلقة "نميري/البشير"، ومن ثم كانت هذه الصيغة المبتسرة للاقتصاد الاسلامي والتي تحمل من ملامح الاقتصاد الراسمالي ومن صيغ المجتمعات الغربية اكثر مما تحمل من سمات مجتمعات العالم الاسلامي!
وتعتبر سياسات الخصخصة التي يجري تطبيقها حاليا علي نطاق واسع احدي ثمار تلك النظرية العجولة، والتي حتمت علي الاقتصاديين نقل محور جدلهم الرافض للخصخصة من كونها مرفوضة لدواعي ان البنية التحتية الاساسية مسؤولية الدولة وانه في ظل دولة ناشئة تكون مسؤولية الدولة ودورها اوسع مدي من غيرها من الدول، وان تشريد العمال و أسرهم امر مرفوض اخلاقيا.. الخ، الي كونها مرفوضة لكونها خصخصة مغلوطة، قادت الي وجود قطاع جديد اقوي من القطاعين العام والخاص هو القطاع الخليط الذي سيعيق نمو القطاعين الاخرين، ولأنها خصخصة تتم بعيد عن قيم النزاهة والشفافية وتشوبها المحسوبية والفساد وتقود لقطاع جديد طفيلي "قطاع التمكين" يعتمد علي حماية الدولة من المنافسة الداخلية او الخارجية لحماية سوقه و تعاقداته الباطنية 'سوداتل، شركات النفط..الخ' الأمر الذي يحرم الاقتصاد من وجود قطاع خاص قوي يدعم الية السوق، ويؤكد وجود مناخ استثماري جيد لما له من صلة وثيقة بالحرية الاقتصادية والملكية الفردية والحكم الاداري الجيد و سيادة حكم القانون "الحكم الرشيد".
الاقتصاد السوداني والعولمة
اضافة للواقع "الواحد" الذي تتعامل معه نظريات الاقتصاد والمواضيع المشتركة التي تمثل نطاق وبيئة عملها؛ فقد دخل عامل جديد ليست هناك نظرية معفاة من التعاطي معه والتأثر به، هذا العامل هو العولمة، فبعد ان كان العامل الخارجي ضيئل التأثير علي السياسات الاقتصادية أخذت اهميته تتزايد باضطراد مستمر وهو الأن في طريقه لاحتلال المركز الاول بين العوامل المؤثرة علي القرار الاقتصادي وذلك بسبب انفتاح كل اركان العالم علي وجود "الغير" المادي والمعلوماتي، وهو ما يلقي عبء اضافي علي اصحاب الحلول النظرية الفوقية بحيث ينبغي عليهم تكييف نظرياتهم للتعاطي مع اقتصاد مفتوح ومحاصر في نفس الوقت برغبات استهلاكية متغيرة بشكل يومي لمجتمع معولم.. لأن عولمة الاقتصاد تعني عولمة موارده "امكاناته واشكالاته"، فالاقتصاد صلة الدولة الوثيقة بالمجتمع، والمجتمع بدوره تتم عولمة طموحه ورغباته وحاجاته شئنا ام ابينا، فهل ثمة حل نظري لهكذا معضلة؟!
مراحل مهمة علي طريق التنمية الاقتصادية
قبل اللجوء للنظريات ثمة درجات أولية علي سلم احداث أية تنمية ما، بل هي مراحل علي الارضية المراد احداث تنمية اقتصادية عليها، ذلك بغرض اعدادها لتقبل اسس وقواعد الاقتصاد الحديث غض النظر عما اذا كان ذلك الاقتصاد اقتصاد دولة، او سوق حر، او اقتصاد عدالة اجتماعية، او اقتصاد ديانة "الاسلام" تتمثل تلك المراحل في:
اولا: قيادة المجتمع 'السوداني' باتجاه تثبيت دعائم الدولة، ولأن المجتمع السوداني نما في حضن الدولة، والدولة السودانية الحديثة بدورها خرجت من رحم الادارة الاستعمارية؛ الأمر الذي خلق اوضاعا معكوسة، اسهمت في تعقيد الأزمة، فان حل الأزمة وتصحيح الأوضاع يقتضي قيادة المجتمع ليقوم باعادة تأسيس دولته؛ لتكون اولا دولة معبرة فعلا عنه وعن كل مواطن فيه غض النظر عن عرقه او لونه او دينه او جنسه 'ذكر/انثي'، ومن ثمة تصبح دولة قادرة علي احداث تطور اقتصادي، ومجتمع قادر علي الاسهام بفعالية في التنمية .. ويتم بذلك تجاوز اشكالات "المركزية والتهميش" والتخلف .. الخ
ثانيا: تأسيس الحكم علي قواعد الشفافية في كل النواحي بما فيها 'او علي رأس تلك النواحي' الناحية الاقتصادية. والشفافية في اجهزة اتخاذ القرار السياسي والأمني والعسكري واجهزة الخدمة المدنية تؤثر مباشرة علي والأوضاع الاقتصادية لكونها تحقق قدر من الاستقرار الذي لا يخفي تأثيره علي الحالة الاقتصادية، بينما تمثل الشفافية في اجهزة اتخاذ القرار الاقتصادي مؤشر حاسم علي توجهات الدولة بخصوص عالم المال والاعمال الاقتصادية، فان وجدت الشفافية فهذا يعني ان المناخ مواتي للاستثمارات المحلية والاجنبية ولنمو الاعمال وازدهار المشاريع الزراعية والصناعية والخدمية؛ و يساعد علي ذلك اشراك المجتمع بكافة فئاته في تنفيذ الخطط والسياسات الاقتصادية، وقبل ذلك اشراكه في عملية وضع تلك الخطط والسياسات و اتخاذ القرارات الاقتصادية ومناقشاتها، هذا يمثل ضمان ايضا لعدم انحراف الاجهزة المختصة عند تنفيذها لتلك السياسات نسبة لوجود رقابة شعبية 'مجتمعية' اضافة لاجهزة الرقابة التقليدية المعروفة "برلمان، صحافة..الخ".
ثالثا: اعداد التربة لانجاح مخططات التنمية الاقتصادية، وتعد هذه من اهم المراحل علي طريق ارساء دعائم متينة لاقتصاد حديث، ولا غني عنها لأية نظرية كانت،
رغم تعقد وتصاعد الأزمة السودانية و وقوفها منذ سنوات علي اعتاب الأزمة الشاملة؛ بهذا التنفيس الذي يطرأ عليها بين الحين والآخر عبر الانفجارات التي تحدث هنا او هناك بهذا المبرر أو ذاك؛ آخذة طابع التمرد المسلح، والثورة الاجتماعية، والتمرد الثقافي؛ كحلول جماعية حينا، او الذهول والانطواء والعبث و مسايرة الطوارئ كحلول فردية احيانا اخري؛ للتعبير عن رفض الواقع الذي تشتد وطأته، فان الشق الاقتصادي للأزمة يظل بالتأكيد احد اهم ابعاد تلك الأزمة بل والأم التي تربت في حجرها كل تلك الازمات.
فعندما عجزت الدولة السودانية عن تلبية حاجات المجتمع وطموحه في ايقاف تدهور البني التحتية، و رفع معدلات الدخول و تحسين مستويات المعيشة؛ وعجز المجتمع السوداني عن فهم الاسباب الكامنة وراء ضوائق المعيشة تلك التي شرعت تطحنه، انفتح الباب علي مصراعيه امام الحلول التبسيطية الساذجة التي كانت مقدمتها 'انقلاب عسكري/انتخابات مدنية'، ثم انحدرت الي حروب اهلية ثم دعاوي انفصالية اخذت تعصف ببقايا البناء المتداعي .. تزامن مع ذلك ضمور القوي الديمقراطية وتراجعها امام برابرة استلاف الماضي وامام تفشي ثقافة العنف الجسدي والفكري، وتراجع مجمل القوي الحديثة لصالح ظاهرة "السلفنة" تلك وبدرجات متفاوتة تبدأ من الانحياز التام وتنتهي بالخضوع لها ومهادنتها، وبالتالي الاستسلام لاجندتها المفروضة والتخلي عن مناقشة الاجندة والقضايا الوطنية وعلي رأسها قضية الاقتصاد السوداني؛ اسباب انهياره وامكانيات استنهاضه من جديد.
المجتمع ونظريات الاقتصاد
بنهاية سنوات الرخاء والرفاهية القليلة التي اعقبت الاستقلال بدأت النخب الحاكمة تستبين ملامح المعضلة الاقتصادية الرابضة تحت اكداس الأوراق التي خلفها الجهاز الاستعماري وراءه،
من حينها ايضا بدأ انحراف النخب السياسية عن سبيل ارساء دعائم اقتصاد قوي ومتوازن يحقق العدالة الاجتماعية والتنمية ويجنب البلاد اهوالا لاحقة "راهنة الأن" .. فمع استفحال المعضلة وتعدد وتشعب اعراضها التي تحولت من مظاهر الي ظواهر ثم ازمات قائمة بذاتها تمثلت في اتساع دائرة الفقر، وتمدد طوابير البطالة، وانخفاض المداخيل، وما صحب ذلك من انفتاح ابواب الهجرة والاغتراب والنزوح، وتضخم سوق التجارة والأنشطة الهامشية 'غير المنتجة' من سمسرة و وساطة وخلافه، كانت المعالجات المطروحة تتمثل في التلويح بنظريات علم الاقتصاد، اذ انقسمت النخب الي فريقين، فريق يدعو للاشتراكية وامتلاك الدولة لوسائل الانتاج وحصر الملكيات الخاصة في أضيق نطاق، وآخر ينادي بالراسمالية وفلسفة السوق الحر الذي لا حدود لحريته، وانضم اليهم مؤخرا فريق ثالث يسبح بحمد نظرية اسلامية في الاقتصاد...!
لم يخطر ببال أؤلئك الفرقاء ان النظريات لاتقدم حلول سحرية لأنها جميعا تتعامل مع واقع موحد هو واقع انسان في مجتمع حديث له سلطة منظمة، وتنطبق علي موضوع واحد هو المال والعمل وتقنيات الانتاج وعوامله الأخري"بيئة العمل، الاستقرار السياسي، الاطر القانونية..الخ"، وهدف واحد هو تحقيق الرفاهية وتحسين مستويات المعيشة.. ومالم يكن الواقع مهيأ لاعمال النظرية 'اي نظرية' فيه، ومالم يكن الموضوع علي درجة من الاستعداد والكفاءة الذاتية "تجاوز مرحلة الاقتصاد البدائي"، ومالم تكن الأهداف محددة و واضحة، فانه ليس بوسع اية نظرية كانت ان تحرز تقدم ملموس او تقدم حلول الاشكالات الاقتصادية .. وما يجدر قوله هنا، ان نظريات علم الاقتصاد الاساسية "الراسمالية والاشتراكية" خرجت من رحم واقع واحد هو واقع الانسان الأوروبي الذي عاش في ظل مجتمع دخل اطوار الحداثة 'القرنين السابع عشر والثامن عشر' وانصهرت تلك النظريات بعوامل مال وايدي عاملة..الخ التي مثلت ماكينات الثورة الصناعية الضخمة شعارها و رمزها الأساسي، هذا الواقع وتلك العوامل الموضوعية لم تتوفر للاقتصاد السوداني بعد عندما بدأت النخب تلويحها بالنظريات ولم تتوافر حتي اللحظة.
اما النظرية الرابعة أي الاقتصاد الاسلامي " حازت الاشتراكية الديمقراطية بجدارة علي صفة طريق ثالث" فأمرها عجب، اذ هي مجرد مبادئ قليلة، غير دقيقة في التوصيف والتشريح والمعالجة، وتلك المبادئ بذاك الوصف ايضا سادت في ظل اقتصادات اقل ما يمكن ان توصف به هو كونها بدائية جدا " دولة المدينة، بنو امية، بنو العباس، والدويلات التي عاصرتها وخلفتها"، تم تجميع تلك المبادئ علي عجل بواسطة سياسيين "اسلامويين" وليسو علماء اقتصاد او مفكرين اقتصاديين، وذلك عندما داهمت التطورات التيار الاسلاموي في السودان ونقلته سريعا من خانة جماعة ضغط الي حزب سياسي ثم الي سلطة مطلقة "نميري/البشير"، ومن ثم كانت هذه الصيغة المبتسرة للاقتصاد الاسلامي والتي تحمل من ملامح الاقتصاد الراسمالي ومن صيغ المجتمعات الغربية اكثر مما تحمل من سمات مجتمعات العالم الاسلامي!
وتعتبر سياسات الخصخصة التي يجري تطبيقها حاليا علي نطاق واسع احدي ثمار تلك النظرية العجولة، والتي حتمت علي الاقتصاديين نقل محور جدلهم الرافض للخصخصة من كونها مرفوضة لدواعي ان البنية التحتية الاساسية مسؤولية الدولة وانه في ظل دولة ناشئة تكون مسؤولية الدولة ودورها اوسع مدي من غيرها من الدول، وان تشريد العمال و أسرهم امر مرفوض اخلاقيا.. الخ، الي كونها مرفوضة لكونها خصخصة مغلوطة، قادت الي وجود قطاع جديد اقوي من القطاعين العام والخاص هو القطاع الخليط الذي سيعيق نمو القطاعين الاخرين، ولأنها خصخصة تتم بعيد عن قيم النزاهة والشفافية وتشوبها المحسوبية والفساد وتقود لقطاع جديد طفيلي "قطاع التمكين" يعتمد علي حماية الدولة من المنافسة الداخلية او الخارجية لحماية سوقه و تعاقداته الباطنية 'سوداتل، شركات النفط..الخ' الأمر الذي يحرم الاقتصاد من وجود قطاع خاص قوي يدعم الية السوق، ويؤكد وجود مناخ استثماري جيد لما له من صلة وثيقة بالحرية الاقتصادية والملكية الفردية والحكم الاداري الجيد و سيادة حكم القانون "الحكم الرشيد".
الاقتصاد السوداني والعولمة
اضافة للواقع "الواحد" الذي تتعامل معه نظريات الاقتصاد والمواضيع المشتركة التي تمثل نطاق وبيئة عملها؛ فقد دخل عامل جديد ليست هناك نظرية معفاة من التعاطي معه والتأثر به، هذا العامل هو العولمة، فبعد ان كان العامل الخارجي ضيئل التأثير علي السياسات الاقتصادية أخذت اهميته تتزايد باضطراد مستمر وهو الأن في طريقه لاحتلال المركز الاول بين العوامل المؤثرة علي القرار الاقتصادي وذلك بسبب انفتاح كل اركان العالم علي وجود "الغير" المادي والمعلوماتي، وهو ما يلقي عبء اضافي علي اصحاب الحلول النظرية الفوقية بحيث ينبغي عليهم تكييف نظرياتهم للتعاطي مع اقتصاد مفتوح ومحاصر في نفس الوقت برغبات استهلاكية متغيرة بشكل يومي لمجتمع معولم.. لأن عولمة الاقتصاد تعني عولمة موارده "امكاناته واشكالاته"، فالاقتصاد صلة الدولة الوثيقة بالمجتمع، والمجتمع بدوره تتم عولمة طموحه ورغباته وحاجاته شئنا ام ابينا، فهل ثمة حل نظري لهكذا معضلة؟!
مراحل مهمة علي طريق التنمية الاقتصادية
قبل اللجوء للنظريات ثمة درجات أولية علي سلم احداث أية تنمية ما، بل هي مراحل علي الارضية المراد احداث تنمية اقتصادية عليها، ذلك بغرض اعدادها لتقبل اسس وقواعد الاقتصاد الحديث غض النظر عما اذا كان ذلك الاقتصاد اقتصاد دولة، او سوق حر، او اقتصاد عدالة اجتماعية، او اقتصاد ديانة "الاسلام" تتمثل تلك المراحل في:
اولا: قيادة المجتمع 'السوداني' باتجاه تثبيت دعائم الدولة، ولأن المجتمع السوداني نما في حضن الدولة، والدولة السودانية الحديثة بدورها خرجت من رحم الادارة الاستعمارية؛ الأمر الذي خلق اوضاعا معكوسة، اسهمت في تعقيد الأزمة، فان حل الأزمة وتصحيح الأوضاع يقتضي قيادة المجتمع ليقوم باعادة تأسيس دولته؛ لتكون اولا دولة معبرة فعلا عنه وعن كل مواطن فيه غض النظر عن عرقه او لونه او دينه او جنسه 'ذكر/انثي'، ومن ثمة تصبح دولة قادرة علي احداث تطور اقتصادي، ومجتمع قادر علي الاسهام بفعالية في التنمية .. ويتم بذلك تجاوز اشكالات "المركزية والتهميش" والتخلف .. الخ
ثانيا: تأسيس الحكم علي قواعد الشفافية في كل النواحي بما فيها 'او علي رأس تلك النواحي' الناحية الاقتصادية. والشفافية في اجهزة اتخاذ القرار السياسي والأمني والعسكري واجهزة الخدمة المدنية تؤثر مباشرة علي والأوضاع الاقتصادية لكونها تحقق قدر من الاستقرار الذي لا يخفي تأثيره علي الحالة الاقتصادية، بينما تمثل الشفافية في اجهزة اتخاذ القرار الاقتصادي مؤشر حاسم علي توجهات الدولة بخصوص عالم المال والاعمال الاقتصادية، فان وجدت الشفافية فهذا يعني ان المناخ مواتي للاستثمارات المحلية والاجنبية ولنمو الاعمال وازدهار المشاريع الزراعية والصناعية والخدمية؛ و يساعد علي ذلك اشراك المجتمع بكافة فئاته في تنفيذ الخطط والسياسات الاقتصادية، وقبل ذلك اشراكه في عملية وضع تلك الخطط والسياسات و اتخاذ القرارات الاقتصادية ومناقشاتها، هذا يمثل ضمان ايضا لعدم انحراف الاجهزة المختصة عند تنفيذها لتلك السياسات نسبة لوجود رقابة شعبية 'مجتمعية' اضافة لاجهزة الرقابة التقليدية المعروفة "برلمان، صحافة..الخ".
ثالثا: اعداد التربة لانجاح مخططات التنمية الاقتصادية، وتعد هذه من اهم المراحل علي طريق ارساء دعائم متينة لاقتصاد حديث، ولا غني عنها لأية نظرية كانت،
وتشمل علي عدة امور منها:
( أ ) تبني تربية اقتصادية جديدة تسعي لنشر القيم المهمة لأي مجتمع ولأي اقتصاد يستهدف تقوية الدولة والأمة، فبما ان الانسان هو اداة التنمية الأولي وهدفها الاسمي فيكون لازما الحرص علي ان يتبني الفرد للقيم التي تعين وتساعد علي النهوض المادي "الاقتصادي" والاجتماعي والروحي، كقيم الصدق، والامانة، وتقديس العمل، وروح الانتاج، والتنافس الحر، والمساواة بين كل الاعمال بغض النظر عن طبيعة العمل ونوعه 'ذهني او عضلي؛ وسواء كان زراعي او رعوي او صناعي او خدمي ..الخ' فالعمل ايا كانت طبيعته فهو قيمة وجزء مهم من ميزات الانسان وسبب في كرامته واحترامه.
( ب ) محاربة نزوع الاثراء بلا سبب الذي بدأ يستشري ويسود وسط المجتمع السوداني، وهي ظاهرة فريدة في غرابتها، ليس لها مبرر في علم الاقتصاد او الاجتماع اللهم الا بتعديل القاعدة الراسمالية المعروفة لتصبح "دعه ينهب دعه يمر". فلابد من الوصول بالمجتمع السوداني لدرجة عالية من الوعي يحارب بها نزعات الاثراء بلا سبب وبلا مقابل ويحارب ظاهرة "تقديس الثراء في ذاته وبغض النظر عن مبرره" حتي وان كان طفيلي او لا اخلاقي، فتقديس الثراء و الرغبة للاثراء السريع تهدم الاقتصاد علي المديين المتوسط والطويل.
( ج ) محاربة النزعة الاستهلاكية الشرسة التي تعد احدي مقدمات العولمة وبنفس الدرجة احدي علائم الاثراء السهل والسريع، حتي لا تصبح تلك العولمة عبارة عن عولمة استهلاك فقط لا عولمة انتاج، وبالمقابل تشجيع ثقافة الادخار والاستثمار في الانشطة المنتجة التي تسهم في زيادة دخل الفرد و الدخل القومي.
( د ) اعادة صياغة فلسفة التعليم الوطني وهيكلته، بحيث يعاد تأسيس مناهجه بما يلبي حاجة المجتمع والاقتصاد الفعلية، واعادة هيكلته علي ذات الأسس، وتغيير نظرة المجتمع وموقفه من التعليم العام المهني و الحرفي/والتقني "صناعي، زراعي"، هذا لا يتم مالم تغير الدولة موقغها منه وتعيد الاعتبار لمنسوبي وخريجي تلك المعاهد والمدارس.
( هـ ) تشجيع روح الاقبال علي الحياة بدعم انشطة المجتمع الثقافية والفنية و الرياضية بما يحقق التلاحم الخلاق بين مختلف الفئات السكانية.. روح الاقبال علي الحياة اجمالا تقود الي تطوير الأعمال والانشطة الاقتصادية وتحقق الاستمرارية المفقودة وتراكم راس المال المنشود.
ان تمكنا من تطبيق تلك النقاط المشار اليها و وصلنا بالمجتمع السوداني الي عتبة المجتمع الحديث وبالكفاءة الذاتية له حينها فقط يمكننا المطالبة و تطبيق النظريات الاقتصادية وتوقع نتائج ايجابية.
( أ ) تبني تربية اقتصادية جديدة تسعي لنشر القيم المهمة لأي مجتمع ولأي اقتصاد يستهدف تقوية الدولة والأمة، فبما ان الانسان هو اداة التنمية الأولي وهدفها الاسمي فيكون لازما الحرص علي ان يتبني الفرد للقيم التي تعين وتساعد علي النهوض المادي "الاقتصادي" والاجتماعي والروحي، كقيم الصدق، والامانة، وتقديس العمل، وروح الانتاج، والتنافس الحر، والمساواة بين كل الاعمال بغض النظر عن طبيعة العمل ونوعه 'ذهني او عضلي؛ وسواء كان زراعي او رعوي او صناعي او خدمي ..الخ' فالعمل ايا كانت طبيعته فهو قيمة وجزء مهم من ميزات الانسان وسبب في كرامته واحترامه.
( ب ) محاربة نزوع الاثراء بلا سبب الذي بدأ يستشري ويسود وسط المجتمع السوداني، وهي ظاهرة فريدة في غرابتها، ليس لها مبرر في علم الاقتصاد او الاجتماع اللهم الا بتعديل القاعدة الراسمالية المعروفة لتصبح "دعه ينهب دعه يمر". فلابد من الوصول بالمجتمع السوداني لدرجة عالية من الوعي يحارب بها نزعات الاثراء بلا سبب وبلا مقابل ويحارب ظاهرة "تقديس الثراء في ذاته وبغض النظر عن مبرره" حتي وان كان طفيلي او لا اخلاقي، فتقديس الثراء و الرغبة للاثراء السريع تهدم الاقتصاد علي المديين المتوسط والطويل.
( ج ) محاربة النزعة الاستهلاكية الشرسة التي تعد احدي مقدمات العولمة وبنفس الدرجة احدي علائم الاثراء السهل والسريع، حتي لا تصبح تلك العولمة عبارة عن عولمة استهلاك فقط لا عولمة انتاج، وبالمقابل تشجيع ثقافة الادخار والاستثمار في الانشطة المنتجة التي تسهم في زيادة دخل الفرد و الدخل القومي.
( د ) اعادة صياغة فلسفة التعليم الوطني وهيكلته، بحيث يعاد تأسيس مناهجه بما يلبي حاجة المجتمع والاقتصاد الفعلية، واعادة هيكلته علي ذات الأسس، وتغيير نظرة المجتمع وموقفه من التعليم العام المهني و الحرفي/والتقني "صناعي، زراعي"، هذا لا يتم مالم تغير الدولة موقغها منه وتعيد الاعتبار لمنسوبي وخريجي تلك المعاهد والمدارس.
( هـ ) تشجيع روح الاقبال علي الحياة بدعم انشطة المجتمع الثقافية والفنية و الرياضية بما يحقق التلاحم الخلاق بين مختلف الفئات السكانية.. روح الاقبال علي الحياة اجمالا تقود الي تطوير الأعمال والانشطة الاقتصادية وتحقق الاستمرارية المفقودة وتراكم راس المال المنشود.
ان تمكنا من تطبيق تلك النقاط المشار اليها و وصلنا بالمجتمع السوداني الي عتبة المجتمع الحديث وبالكفاءة الذاتية له حينها فقط يمكننا المطالبة و تطبيق النظريات الاقتصادية وتوقع نتائج ايجابية.
تعليقات
إرسال تعليق