التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مصر و اﻹحتواء الخليجي

  باﻻمكان ان نزعم ان اكبر مساوئ التغيير في مصر (ثورة 25 يناير) هو وقوع مصر بأسرها تحت تأثير احتواء خليجي محكم،،،
 وقد كانت قبل "الثورة" خاضعة جزئيا للنفوذ الخليجي خصوصا في شقها المعارض المتمثل في جماعة اﻷخوان و التيارات السلفية؛ فالمال السعودي "بنك فيصل" و غيره من المال الخليجي كان يمثل شريان حياة و حبل سري لتغذية التيارات اﻻسلامية؛
   هذا عدا عن النفوذ الناعم الذي تمارسه عبر مئات اﻻﻻف من المغتربين المصريين في دول الخليج، فيما كانت الدولة و حزبها الوطني لحد كبير بمنأي عن الخضوع لتأثير وسطوة امراء الخليج. لكن بعد الثورة و بسبب التضعضع الذي اصاب الجهاز الرسمي و الخطاب السياسي واﻹعلامي و لعدم توافر ال "ثوار" علي بديل سياسي وﻻ رؤية مغايرة أصبحت ساحات مصر السياسية تعاني فراغا عريض، و قد تنبه الخليجيون سريعا لذلك وقرروا ملء ذلك الفراغ لخوفهم من نمو تيار ديمقراطي حديث في مصر يمكن ان يتمدد ويتسبب في بعث حياة سياسية في الخليج؛ 
  سيما وان الخليجيون يتذكرون جيدا حقبة انقلابات الضباط اﻻحرار التي انهت عهد حكم اﻻسر الملكية في عدد من دول المنطقة "العراق، اليمن،ليبيا، ومصر ذاتها.." و يذكرون كذلك قتالهم لعبد الناصر في مرتفعات اليمن الوعرة علي ابواب ممالكهم وامارتهم! يتحدث البعض عن خلاف خليجي إزاء مصر "سعودي قطري باﻷساس" و هؤﻻء يحكمون بناء علي ظاهر اﻷحوال؛ 
  لكن جوهريا مامن خلاف بين القطبين بل تنسيق لتحقيق المصلحة الخليجية اﻷولي وهي استقرار اﻷنظمة الحاكمة "موالية أو معادية للخليجيين، فالاستقرار- الجمود - السياسي يمثل في حد ذاته غاية بالنسبة لمجلس دول الخليج" في المنطقة و منع اي تغيير و مكافحة اي عملية انتقال ديمقراطي بالخصوص؛ 
  إذ ليس لقطر مثلا اي مصلحة محددة في حكم اخواني لمصر او غيرها ويأتي دعمها من باب التحكم في القرار اﻷخواني و السيطرة و كبح جماح نواياها السلطوية؛ فقطر تعلم جيدا ان الجماعة لو تمكنت سياسيا ستنقلب علي حلفائها و تسعي ﻹنهاء حقبة "الملك العضوض الخليجي" واقامة "خلافتها" او اتحاد امارات "جمهوريات" اسلامية، تحت راية المجلس العالمي لعلماء المسلمين .
   لذا فان الحل اﻻسلم و اﻷنسب "بالنسبة للخليجيين طبعاً" هو دعمها – جماعة الاخوان - حينا واضعافها احيانا ﻹبقاءها دائما في طور اﻻعتماد علي جهة ما، والحرص علي عدم وصولها ابدا الي مرحلة استقلال القرار السياسي او الفكري او الفقهي، و ابقاءها كذلك اداة طيعة للتوظيف ضد التيارات الديمقراطية علي وجه الخصوص، وضد اﻷنظمة و الدول التي تمثل تهديد للخليج بحكم اﻷمر الواقع "أي النظام السياسي الذي تتبعه" فكل اﻻنظمة الجمهورية تمثل تهديد بما فيها انظمة الحزب السياسي الواحد و الرجل الواحد والتي سماها أحد المفكرين الجملوكيات -ليست بجمهوريات وﻻ ملكيات- ومصر كانت عشية 25 يناير علي وشك ان تصبح احداها باقتراب تنصيب جمال مبارك خلفا لوالده"! 
   ان ما هو حادث حاليا في مصر هو احتواء خليجي مزدوج للحكومة المصرية و المعارضة الرئيسية التي تمثلها جماعة اﻷخوان المسلمين؛ وان كانت نظرية الاحتواء تعرف علي انها " السيطرة علي دولة او منظمة معادية بوسائل غير عسكرية – دبلوماسية أو استخباراتية – اي سيطرة بوسائل ناعمة"، والاحتواء المزدوج يعرف علي انه السيطرة علي دولتين او منظومتين معاديتين عن طريق خلق حالة عداء فيما بينهما لتسهيل السيطرة والتحكم فيهما، فان ما يفعله الخليج بمصر هو نوع جديد من انواع الاحتواء؛ يتمثل في احتواء الدولة من داخلها عن طريق خلق حالة استقطاب و عداء داخلي يسهل التحكم فيها "احتواء ذاتي!" 
   بحيث انه يتم ضمان التحكم في الدولة المصرية ومعرفة نواياها مسبقا "تنبؤ" عبر السيطرة علي الجهاز الرسمي و ضمان ولاءه للخليج و ضمان ولاء المعارضة "جماعة الاخوان" لقطر وهي كما هو معلوم دولة خليجية؛ فيتبقي التيار الليبرالي وحده خارج هذا اﻹحتواء؛ ربما لكون انه ليس ذي خطر يذكر من وجهة نظر خليجية علي اﻷقل! 
  وهذا التيار الليبرالي يظل تحت رحمة مراكز ابحاث امريكية و منظمات مدنية غربية. ان مصر اﻷن مغلولة اليد مسلوبة اﻻرادة ومرتهنة القرار، فمصر الرسمية تدين بالتبعية للموقف السعودي /اﻻماراتي؛ و مصر الشعبية "المعارضة - اﻻخوان" مرتهنة القرار لقطر؛ فيما يبقي الشعب منقسما ومنغمسا في لعبة صراع عبثية وسيبقي الحال كذلك حتي تستفيق قوي الغالبية "المدنية/الديمقراطية" المحيدة او التي اختارت الحياد بسبب تشرذمها وانقسامها وقبولها بدور المتفرج. ----------------------------
 * نشر بموقع (رأي اليوم) الالكتروني 24 مايو 2016م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...