المساءلة الاجتماعية
نهج جيد في العمل العام ، وينبغي أولاً التمييز بينه وبين مصطلح المسؤولية
الاجتماعية تجنباً للخلط، فالأخيرة تهدف لرفع مساهمة القطاع الخاص والاستثمارات
الاجنبية في تنمية المجتمعات المحلية التي تستفيد تلك الاستثمارات والقطاع الخاص
من العمل في بيئتها؛ فمثلما تجني تلك الاستثمارات ارباحاً من تلك المجتمعات فإن
علي عاتقها واجب ومسئولية تطوير تلك المجتمعات، بينما مفهوم المساءلة الاجتماعية
يعني ويهدف لتمكين المواطن من الدفاع عن حقوقه في الحصول علي الخدمة الحكومية
بمستويات جيدة ومتحسنة باستمرار، وحماية حقوقه المدنية والاقتصادية والاجتماعية
والسياسية ..
وبحسب تعريف البنك
الدولي (الذي يرعي الشراكة العالمية للمساءلة الاجتماعية GPSA) فان المساءلة
الاجتماعية تعني كل الوسائل والادوات التي يمكن للمواطن من خلالها (ويمكن للمنظمات
الاهلية الوطنية) من مساءلة الحكومة علي التقصير وسوء الخدمات والتجاوزات الادارية
أو القانونية.. ويفترض حينها ان تستجيب الحكومة بطوعها للمطالب الاجتماعية ، وذلك
بالعمل علي تحسين ادائها ومعالجة التجاوزات وعمل ترتيبات آنية ومستقبلية لتلافي
آثارها ومنع تكرارها..
ويعتمد مفهوم
المساءلة الاجتماعية بالاساس علي رفع الوعي بين المواطنيين وذلك عبر تسليط الضوء
علي الخروقات والتجاوزات والاختلالات في الاداء الحكومي، واقتراح المعالجات وتوضيح
وإزالة اللبس في ذهن العامة بخصوص ما ينبغي ان يكون عليه واجب الاجهزة الحكومية
والموظفين العموميين، وهذا بدوره يقود الي اشراك فئات عريضة في العمل العام واعادة
ادماج المهمشين سياسيا بحيث يجدوا لأنفسهم دور سياسي أهلي تمهديا لإنخراط اوسع في
الشأن السياسي.. كما يقود ايضا الي تحقيق هدف الحوكمة (أي دفع الانظمة الحاكمة
للتقيد بدور الحكومات الاساسي وهو خدمة المواطنيين وتسهيل سبيل حياتهم ومعاشهم
وليس التسلط عليهم مثلما هو حادث في الكثير من الدول والبلدان) !
وتنشط بالمنطقة
العربية منذ العام 2012م (الذي شهد تأسيسها وتدشين انطلاقتها) شبكة المساءلة
الاجتماعية بالعلم العربي (انسا) والتي تالفت من منظمات اهلية ومؤسسات دولية تنشط
وتهتم بموضع الحوكمة والديمقراطية والتنمية الاجتماعية والشفافية والحكومات
المفتوحة..، وخلال مسيرتها التي امتدت منذ ذلك التاريخ أرست تلك الشبكة منظومة من
القواعد والتقاليد التي تهدف للتمكين لذلك المفهوم وتمكين المواطنين من مساءلة
الاجهزة الحكومية وشركات القطاع الخاص ايضاً وحثها والضغط عليها لتحسين اداءها
الخدمي في كل المجالات الصحية والتعليمية والحقوقيةوتحسين ادائها الاداري فيما
يتعلق بسرعة ودقة وجودة اجراءاتها ومعاملاتها الادارية.
من تلك القواعد ان
الشبكة العربية اعتمدت دعائم واعمدة أربع لغرس هذا المفهوم وتتمثل في، أولاً :
تحسين الخدمات الحكومية. ثانياً : شفافية الموازنات. ثالثاً : حرية تكوين
المنظمات رابعاً : حق الحصول علي
المعلومات.
تحسين الخدمة العامة؛ (
الحكومية خصوصا) يقصد بها سعي المنظمات الاهلية و المواطنون وحثهم السلطات العامة علي
رفع مستوي جودة خدمات جهازها المدني (تعليم ، وصحة..الخ) وسائر خدماتها الادارية
والقانونية سواء في جانب الرقابة او في نطاق المعاملات الروتينية (استخراج
التصاديق، والرخص والوثائق..الخ).
بينما يعني
مفهوم شفافية الموازنات؛ وضوح القانون والنظم المالية والمحاسبية للدولة
واحتكام الاجهزة في عملها لمبادئ المساواة امام القانون وسيادة حكمه ولمبدأ تساوي
وعدالة الفرص، كما يعني وضوح السياسات المالية والاقتصادية والتنموية .. ويعني
كذلك شفافية الاجراءات الاقتصادية وخصوصا تلك المتصلة بالعقود والعطاءات
الحكومية..
فيما يعني مبدأ حرية
تكوين المنظمات الاهلية؛ ان تتلتزم الاجهزة الرسمية بتسهيل اجراءات تكوين
المنظمات الاهلية وان تلتزم كذلك بتيسيير عملها وتزليل العقبات امام المجتمع
المدني (وليس وضع عقبات اضافية!).
بينما يعني مبدأ حق
الحصول علي المعلومات؛ ان تتيح الحكومات وبالقانون عملية الحصول علي المعلومات
بحيث يكون في مقدور أي مواطن ان يحصل علي اي معلومة (موثقة ومن مصدرها) حتي يتمكن
من التعاطي مع موقفه علي بينة من امره.. وهذا المبدأ مهم للغاية لأنه يفيد كذلك في
منحي محاربة الفساد والمحاباة، وحق الحصول علي المعلومات له ضوابط وقواعد تحدد
هامش احتكار السلطات للمعلومات بمبرر الامن القومي او خلافه وهي القواعد المعروفة
بـ(مبادئ جوهانسبيرج) التي أَقرت في العام 1995م.
تلك هي الاعمدة او
المبادئ الاربع التي اعتمدتها الشبكة العربية للمساءلة الاجتماعية (شبكة اقليمية)
وحددت مسيرة المساءلة الاجتماعية بالعالم العربي في سنوات تأسيسها الاولي
(2012-2015م) ؛ وليس هناك ثمة مانع يحول بين المنظمات الوطنية والشبكات القطرية
وتبني مبادئ واعمدة خاصة بها .
ان المنظمات
الاهلية السودانية مدعوة لإستكشاف افاق هذا المفهوم وتبني رؤية قطرية خاصة بها
وبناء شبكة وطنية سودانية حتي تتمكن من الانضمام للشبكات الاقليمية (عربية و
افريقية) ودولية (الشراكة العالمية للمساءلة الاجتماعية)، والاستفادة من من خبرات
وتجارب تلك الشبكات وخبرات المنظمات الدولية والوطنية المنضوية تحت رايتها.
تعليقات
إرسال تعليق