مقدمة :
تهدف هذه
الورقة إلي إيضاح التكتيكات التي تلجأ إليها الأنظمة الشمولية (بالتطبيق علي نموذج
الحكم الحالي في السودان) لمقاومة ثقافة الشفافية وحق الحصول علي المعلومات ، إن
الأنظمة الشمولية تعتمد في وجودها علي أمرين لا يقل أحدهما أهمية عن الآخر وهما:
أولاً : احتكار المعلومات والمعرفة.
ثانياً : احتكار القوة والعنف .
بهذين الأمرين تضمن السلطات الشمولية قوتها وفعاليتها
وتفوقها علي القوي السياسية والفعاليات الشعبية الاخري، ولذا لن تفرط هذه الأنظمة
في ميزة احتكارها للمعلومات والمعرفة وحتى احتكارها للحقيقة ، وستظل حريصة علي مد
الآخرين فقط بالمعلومات التي تفي بحاجتها هي (حاجة السلطة الديكتاتورية)، كما ستظل
تفرض رقابة مشددة علي الأجهزة الإعلامية، بل وحتى علي الوسائط الجديدة فتغرقها
بالشائعات..
مثل هذه الأنظمة
لا مانع لديها من سن قوانين كقانون حق الحصول علي المعلومات "مثلما فعلت
حكومة السودان بسنها لقانون حق الحصول علي المعلومات لسنة 2015م" (1). فلدي
تلك الأنظمة أساليبها التي تكافح بها كي تواصل احتكارها للمعلومات وفي مقابل ذلك
تحصل علي ورقة جديدة ""قانون حق الحصول علي المعلومات" لتجادل به
محلياً وإقليميا ودولياً.
الحصول علي المعلومات في السودان في حقب سابقة :
السودان الذي خرج من حقبة الاستعمار الأجنبي (الانجليزي/
المصري) ليدخل حقبة أنظمة القمع المحلية في العام 1956م (ففترات حكم الأحزاب
المدنية المنتخبة والقصيرة والتي سيطر عليها في الغالب احد الحزبين الطائفيين
المحكومين بدورهما بدكتاتورية النفوذ
الديني الموروث (2) ؛ تخللتها فترات طويلة من حكم أنظمة انقلابات عسكرية
وسيادة حكم الفرد المستبد...) ، هذا السودان لم يشهد ولم تتح له أي فرصة لبناء
نظام دولة أجهزة الدولة المدنية ومؤسسات الحكم الحديث، كما لم تتح له فرصة لترسيخ
مبدأ الحصول علي المعلومات وإرساء تقاليد ترسخ لقيم الشفافية
وحرية النشر والإعلام (تلقي المعلومات ونقلها) .. بحيث ينتقل المجتمع من مرحلة
إتاحة المعلومات الي مرحلة الإلزام و التزام الدولة بتقديم المعلومات، والمعاقبة
علي احتكارها أو إخفاءها أو إساءة استغلالها..
عليه فان كل
الفترة من الاستقلال الي تاريخنا هذا (تسعة وخمسون عاماً) تستحق الدراسة وربما
تنطبق عليها ذات المعايير وتتساوي في الخلاصات و الاعتبارات والأحكام، إنما فقط
لأغراض الدقة فان هذه الورقة ستركز فقط علي الحقبة الأخيرة في تاريخ السودان
وتحديدا العقدين الأخيرين منه.
مرحلة ما قبل الدستور الانتقالي :
قبل دخول اتفاق
السلام الشامل حيز النفاذ (2005م) (3) وما تبع ذلك من إجازة الدستور الانتقالي
وتكوين سلطة الشراكة بين المتحاربين الرئيسيين في السودان، كان حق الحصول علي
المعلومات وسائر الحقوق والحريات محكومة بدستور 1998م وبمراسيم دستورية قبل ذلك
التاريخ ..
عليه فقد كان العقد الأول (1995-2005م) يمثل صورة نموذجية لحالة الحكومة
التي تحتكر المعلومات، ولم يكن بوسع أي جهة (صحافة، مراكز بحثية، ..الخ) أن تحصل
علي معلومة موثقة إلا تلك التي يوافق النظام علي تمريرها لها، ولا توجد أية قنوات
معروفة وموثوقة يمكن استقاء المعلومات ذات المصداقية عبرها..
الصحافة مثلا في ذلك الوقت أضحت ثقافة رأي بامتياز
وتحليل فقط، فقد اضطرت للاستعاضة عن عن الأخبار والمعلومات بمقالات الرأي لتسد
الفراغ الناتج عن غياب المعلومات؛ و حتى لو نجحت صحيفة وحصلت علي معلومات فإن سيف
الرقابة (قبل الطبع وبعدها) (4) يبقي مسلطاً ما حدا بإدارات وهيئات تحرير الصحف
للاحتفاظ بها والاكتفاء بالرأي، وهو رأي بطبيعة الحال يفتقر للمعلومة وبالتالي
يفتقر لدعامات الرأي المؤثر والفاعل..
أما أجهزة الإعلام الاخري (قنوات تلفزيونية، إذاعات، صحف رسمية أو
موالية ..الخ) فقد كانت مجرد قنوات لتمرير المعلومات التي تم فحصها والتي يتم
تسريبها لأهداف محددة بواسطة الأجهزة الرسمية أمنية كانت أو إعلامية.
مرحلة ما بعد الدستور الانتقالي :
أجيز الدستور الانتقالي عقب التوقيع علي اتفاق السلام
الشامل بين حكومة حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية من جنوب السودان وذلك في
التاسع من يناير 2005م، وبحسب ما هو مكتوب علي أوراق الاتفاق وما هو معلن، فإن
الدستور الانتقالي هو دستور دولة دولة ديمقراطية يؤسس لمرحلة تحكم فيها الدولة
بقوانين مجتمع ديمقراطي ؛ وهي مرحلة توازن بين أقلية متحكمة وحاكمة و فصيل يمثل
أغلبية سكان إقليم الجنوب ويحرس هذا التوازن بواسطة الوسطاء الإقليميين في منظمة
الإيقاد (إثيوبيا، كينيا، اريتريا، أوغندا، جيبوتي) وشركاءهم الأوربيين وبمباركة
من مجلس الأمن الدولي ممثلا في الدول القائدة في العالم وعلي رأسها الولايات
المتحدة الأمريكية.
الدستور الانتقالي(5) جاء ملبيا لقدر معقول من تطلعات
أنصار الدولة الحديثة والديمقراطية (سعي في نفس الوقت لتلبية تطلعات أنصار الدولة
الدينية في السودان) فقد نصت مادته (39) في بنودها الثلاث علي :
" لكل
مواطن حق لا يتقيد في حرية التعبير وتلقي المعلومات والصحافة والنشر بما لا يؤثر
علي النظام والسلامة والأخلاق ,,"
" تضمن الدولة حرية الصحافة والإعلام وباقي الوسائط
وتسعي لتنظيمها بقانون يتسق وحاجة مجتمع ديمقراطي"
" تلتزم الأجهزة الإعلامية بمواثيق مهنية و تتحرر
من انتماءات الدين والعرق والاثنية والاستعلاء الثقافي وتمتنع عن تأجيج الحروب
والنزاعات".
لكن بمجرد دخول
الدستور الانتقالي حيز النفاذ بدأ صراع قوي بين الحزب الحاكم وشريكه الجديد وذلك
بغرض تحديد أو فرض صيغة العلاقة ورسم خارطة المستقبل.
كانت نتيجة ذلك
الصراع ان تمكن المؤتمر الوطني من تثبيت أركان حكمه واستمرار سيطرته دون تأثر كبير
بالشريك الجديد، واستمر في احتكاره للمعلومات؛ وتصلح حالة الاتفاق علي صيغة لتشارك
المعلومات السرية المتعلقة بعقود التنقيب واستخراج النفط بينه وبين الشريك الجنوبي
كشاهد علي نجاحه في الاحتفاظ بتفرده واحتكاره للمعلومات. (6)
في النهاية فقد
فشل الاتفاق في إقامة مؤسسات حكم ديمقراطي و اكتفي الجنوبيون ومعهم الوسطاء
الإقليميين والدوليين بالاحتفاظ بورقة إقامة دولة منفصلة في الجنوب الي ان تحقق
مرادهم في يوليو 2011م وانتهي الحال بالجميع الي إقامة سودانـ(ان) يطبقان ذات نظام
احتكار المعرفة والسيطرة عبر الانفراد بالمعلومات.
أنظمة احتكار
المعرفة وقانون الحصول علي المعلومات:
قبل عرض ابرز مواد قانون حق الصول علي المعلومات لسنة
2015م؛ الذي أصدره المجلس الوطني التشريعي في السودان لابد من التأكد من ان الجميع
يتحدثون لغة واحدة (السلطة والمطالبين والمستفيدين من القانون)، ويقفون علي ذات
الأرضية ، فانعدام الوحدة المفاهيمية هي التي تجعل البعض يقع في فخ تصديق دعاية
الأنظمة الديكتاتورية ، ومن ثم يطالب بمنحها بعض الوقت حتي تبرهن علي حسن نواياها
في حين انها لا تهدف الا لكسب ذلك الوقت في أحسن الأحوال...
للتأكد من الوحدة المفاهيمية يجدر بنا ان نتسأل عما يدور
في خلد قادة نظام كنظام المؤتمر الوطني الحاكم في السودان حين يتحدثون عن حق
الحصول علي المعلومات، فالي ماذا يهدفون بإجازة قانون كهذا؟
إن الجميع في السابق كانوا يتحدثون عن تحول ديمقراطي
(2005م)، لكن ضحي العام (2011م) ثبت ان النظام كان يعني شئ آخر غير الذي عناه
شريكه وبقية الأحزاب والمجتمع الدولي !
في الغالب الأعم لا يعني قادة النظام شئ ذي بال حين
يتحدثون عن حق الحصول علي المعلومات، اللهم فقط ان هذه هي اللغة الجديدة التي
يتحدثها المجتمع الدولي ومنظماته وهي المصطلحات التي يحبها المجتمع المدني ،
فكأنهم هنا يتمثلون قول المتنبي: (لا خيل عندك تهديها ولا مال ،،،، فليسعد النطق
ان لم يسعد الحال)
لذا لا مانع لديهم من تحدث ذات اللغة طالما انهم لن
يتضرروا من ذلك، ولن يقدموا شئ حقيقي ، ولن يحدثوا أي تغيير علي طريقة عملهم و
إدارتهم للأمور.
إن أي نظام
مستبد بالسلطة ، لديه من الحيل ما يحاول به مجابهة منطق المنظمات الإقليمية
والدولية والوطنية التي تتهمه بانتهاك حقوق الإنسان أو بعدم الشفافية ..الخ،
ولنظام المؤتمر الوطني في السودان باع طويل في هذا المضمار فهو علي استعداد دائم
للتوقيع علي أية وثيقة أو معاهدة مهما كانت طبيعة الالتزامات التي تلقيها علي
عاتقه ، لكن بمجرد وضعه لقلم التوقيع جانباً يبدأ النظام في العمل علي ابتداع حيل
لخرق الاتفاق الذي أمضاه..
و لاختبار
الوحدة المفاهمية نلقي نظرة علي مواد القانون السوداني (قانون حق الحصول علي
المعلومات)،
نص القانون السوداني في المادة الثالثة علي ان الهدف من
القانون هو : " ضمان حق الحصول علي المعلومات التي تحتفظ بها الدولة وفقاً
لمستويات الحكم المختلفة لأي شخص أو جهة تطلبها بحيث لا يؤخذ بالاستثناءات الا
بصورة حصرية ومحدودة".
اما المادة 9/أ فتنص علي : " يكون لأي شخص حق
الحصول علي المعلومات من مصادرها بمنظمات القطاع العام والشركات التي تشارك فيها
الحكومة وأي منظمة يري المفوض أنها تعمل كقطاع عام".
يتضح من هذا ان
القانون يتحدث عن المعلومات الاعتيادية التي ينبغي ان تتوافر دون عناء وبلا إجراءات
بيروقراطية أو روتينية وبلا رسم مالي ..الخ. في حين ان هكذا قانون شرع اصلا لكفالة
حق الحصول علي المعلومات التي لا تتوفر في العادة والدخول الي خزانات المعلومات
المصنفة في درجة أعلي علي سلم السرية.
أما مواد القانون من المادة الرابعة الي الثامنة فتتحدث
عن مفوضية تسمي " مفوضية حق الحصول علي المعلومات" أي انشاء جهاز
بيروقراطي له موظفيه ومقاره..الخ وتنص علي سلطاته وصلاحياته ومخصصات شاغلي مناصبه
الإدارية..
فينا تنص المادة الثانية عشر علي الاستثناءات التي
عددتها ايضا في اثني عشر استثناءاً في حين ان نصوص القانون كلها لم تتجاوز الخمسة
عشر بنداً، وتلك ملاحظة لها مغزي..
من هذا العرض يتضح جلياً ان واضعي القانون يقصدون
المعلومات التي ينبغي ان تتوافر في مظانها "دوريات، صحف، تقارير إحصاء، دور
وثائق...الخ"، أي يقصدون المعلومات العادية التي يبحث عنها الصحفيون لأنها
تهم الرأي العام ورجال الأعمال أو المعلومات التي يعني بها طلاب البحث العلمي
بالجامعات..
في حين ان هذا
القانون – كما سبقت الإشارة – يعني بنمط آخر من المعلومات ، أي تلك التي لا تتوافر
بطبيعتها في مظان المعلومات الاعتيادية، فالمعلومات المعنية هنا هي تلك التي تهم طيف
مختلف من المواطنين"باحثين عن المعلومات" يبدأ من المواطن العادي وتنتهي
بنشاطي المنظمات السياسية والمدنية.
وحسب
وجهة نظر المحامية محاسن صديق فإن القانون الجديد انطوي علي عيوب في الصياغة والتبويب وشابه التباس اصطلاحي ولغوي ما يخرجه عن كونه قانون ناهيك عن امكانية ان تفيد منه الجهات أو الافراد التي تطالب بحق الحصول علي المعلومة اذ ان الهدف الواضح من تشريعه هو حماية وتحصين المعلومات الرسمية للدولة وبالمقابل كشف معلومات المنظمات المدنية والمؤسسات الخاصة، فيما يري المحامي والناشط الحقوقي علي عبد الرحمن خليل؛ فأن مجرد سن قانون لحق
الحصول على المعلومات يعطي زخم لثقافة الحصول على المعلومة فهذا القانون يعطي
المواطن حق الحصول على المعلومات من مصادرها، كما أنه يفرض قواعده على مؤسسات
الحكومة ومنظمات المجتمع المدني ما يعزز ثقافة المحاسبة، وهو على الأقل يحدد نهج
يستطيع به طالبي المعلومة أن يحصلوا على مرادهم وحتى في حالة رفض الكشف عن
المعلومات فأن ذلك يحسن من موقف طالبي المعلومات.
وعلى
أية حال فأن هذه أول مرة يتم بها سن قانون من هذا النوع في السودان، وفي انتظار
الممارسة والتطبيق الفعلي لهذا القانون فأنه يشيع جو من التفاؤل.
إن قانون حق الحصول علي المعلومات هو بالأساس من قوانين
المجتمعات التي تسودها درجة متقدمة من الشفافية باعتبار ان ذلك القانون آلية لهدم
آخر معقل من معاقل السرية واحتكار المعرفة. إذ يكفل ذلك القانون حق الحصول علي
المعلومات الأشد تخصصية وخصوصية، فهي معلومات ليست بالضرورة تهم كل الرأي العام في
الوقت الراهن وانما قد تهم أفراد فقط أو مجموعات وفئات محددة.. كما انه قانون
بالأساس لمنع تعسف السلطة التنفيذية في تصنيف المعلومات من حيث درجة السرية بحيث
يمكن لأي شخص يطالب بالكشف عن تلك المعلومات ويناهض إدعاءات سريتها.
أما مجتمعات احتكار المعلومات والمعرفة ، أي المجتمعات
التي لا يأمن فيها الإفراد علي حيواتهم وحرياتهم إن هم خاضوا في شأن عام ، فتلك
المجتمعات يمثل لها الحديث عن حق الحصول علي المعلومات ضرب من ضروب الخيال , ولن
يكون لمثل ذلك القانون أي أثر فيها وان إجازته برلماناتها ، لأن أجهزة تنفيذ
القانون تعمل بمنطق مكمل لما تسنه برلمانات أنظمة احتكار المعرفة.
موقف
القانون السوداني من القواعد والمباديء المرعية عالمياً
إن
حق الحصول على المعلومات ( كمبدأ أساس وذراع للمادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان والمواد النظيرة والمعاهدات والقوانين الوطنية بحيث يمنحها الفعالية
والمعنى المحسوس؛ فلا تكون مجرد نص جامد) له مجموعة من المبادي والقواعد والمعايير
التي ترسخت بالممارسة القانونية في بلدان نظم حكم القانون والمجتمع الديمقراطي.
من
تلك المباديء والمعايير ما تم التوصل إليه في 1 أكتوبر 1995م والتي يتعارف عليها
بمباديء جوهانسبيرغ وتلك تمثل مجموعة من القواعد التي تضع ضوابط ومحددات ومعايير
لضبط سلطة الحكومات كما تمثل منهاج هادي للهيئات والمحاكم قابل للتطبيق والفصل بين
المتنازعين في شأن حق الحصول على المعلومات (الدولة ومواطنيها).
قبل
التطرق لموقف القانون السوداني لابد من عرض ولو سريع لأهم قواعد ومعايير ممارسة حق
الحصول على المعلومات:
1
– مبدأ الكشف الأقصى، يعني بأختصار أن القانون الوطني يمثل مرجعية هامة من جانب،
ومن جانب آخر يضمن أن الحماية تضفى على المعلومات وليس على الجهات الحكومية، وأن
المعلومات يجب أن تتاح لأي شخص دون الحاجة لإثبات صلة أو أهتمام من جانب من يسعي
للحصول علي المعلومات، وأن عبء أثبات أن المعلومة محصنة ضد الكشف يقع على
عاتق الجهة الحكومية التي تزعم ذلك، كما
يعتمد فرضية الانفتاح أي اتاحة المعلومات وتبني الحكومة لنهج الشفافية.
2
– المصلحة الأمنية المشروعة، يهدف لتقييد استخدام مبرر الأمن الوطني ككابح لحق الحصول
على المعلومات وقيد على حريات الرأي والتعبير وذلك عبر تعريف المهددات الأمنية
وحصرها في المهددات الحقيقية والفعلية الماثلة، وحصرها كذلك في مهددات الدولة وليس
مهددات السلطة ومتاعبها السياسية ورغباتها الأيدلوجية.
3
– مبدأ الحق الأجدر بالرعاية، أي عند تنازع حق الحصول على المعلومات مع أي حق آخر
يقتضي حجب المعلومة؛ فأن المصلحة العامة هي المرجع في تحديد أي من الحقوق هو
الأجدر بالرعاية.
4
– مبدأ محدودية الاستثناءات، وذلك بوضع قيود على تلك الاستثناءات بحيث يمكن إختبار
كل استثناء عبر أدلة وبينات يمكن وزنها بحيث لا تكون تلك الاستثناءات أداة طيعة في
يد الحكومة وتكون مقيدة في أضيق نطاق ومتسقة مع مباديء النظام الديمقراطي.
5
– مبدأ حماية المبلغين عن الفساد، وذلك عبر ضمان عدم محاسبة من يكشف أو يخرج
معلومات متى كانت المصلحة العامة من كشف تلك المعلومات أكبر من المصلحة في أخفائها
وأن كشف المعلومات لم يقود إلى تهديد أمني.
6
– عدم ملاحقة المعلومة بعد كشفها، يعني أن تقبل السلطة بعد خروج المعلومة فلا تسعى
في ملاحقتها (عبر مصادرة الصحف أو إغلاقها أو تكذيب تلك المعلومات وبث شائعات
لنفيها).
7
– حماية مصادر الصحفيين.
8
– ضمانات قضائية لسيادة حكم القانون، ذلك بضمان أن ينال من تتم محاكمته بتهم كشف
عن معلومات تضر بالأمن أو خلافه أن ينال محاكمة عادلة، أبتداً من توفر فرضية
البراءة وأنتهاء بتناسب العقوبة أي عدم تطبيق عقوبات قاسية وأكبر من الفعل المجرم.
بالنظر
في مواد القانون السوداني نجد أنه أولى أعتبار لمبدأ أضفاء الخصوصية للمعلومات
وليس للجهات لكن لا نجد أي أشارة لبقية المعايير والمباديء المستقرة عالمياً ما
يعزز الفرضية القائلة بأنعدام الوحدة المفاهيمية بين السلطة التي سنت القانون
والمواطنين المستفيدين منه مع العلم بأن أي قانون من هذا النوع في بلد كالسودان
عليه أولاً أن يضمن غرس تلك المفاهيم والتكريس لها وليس ثمة غرس أو تكريس أجدى من
النص عليها صراحة في متن القانون كضمانات تجعل للقانون قيمة حقيقية وفعليه، لكن وحيث أن للحكم في السودان سياسة إعلامية
غير واضحة ويمارس قمع وإنتهاك للحريات على رأسها حريات التعبير وليس منتظراً منها
أن تقدم على نص على هكذا معايير ومباديء تقيد سلطتها وتغل يدها.
أما
بالنسبة للاستثناءات فهي بحسب الأستاذ علي عبد الرحمن خليل جاءت عامة وغيير محددة
وفي صيغة فضفاضة، كما أن الشكوك تعتري فرضية أستقلال المفوضية التي ينشئها القانون
ولدينا في السودان تجربة وخبرة سيئة مع ما تسميه الحكومة مفوضيات قومية مستقلة.
الطرق التي تقاوم بها أنظمة احتكار المعرف هكذا قانون:
لدي الأنظمة
التي تحكم مجتمعات تفتقد لأبسط مقومات الشفافية ومبادئ الحكم الديمقراطي سلسلة
آليات لمكافحة آثار مثل ذلك القانون، وهذا أمر مفهوم طالما أن تلك الأنظمة تحتكر
أبسط المعلومات فلن تعوزها المقدرة علي احتكار المعرفة والمعلومات الأكثر دقة
وتخصصية .. من تلك الآليات :
1/ البيروقراطية
، وقد رأينا كيف أن القانون السوداني (قانون حق الحصول علي المعلومات) سارع في
تكوين جهاز بيروقراطي يتعامل مع طالبي المعلومات، وكيف انه حول القانون من قانون
موضوعي إلي قانون إجرائي شكلاني تدور أغلب مواده عن مقار ومناصب وموظفين ورسوم
..الخ.
2/ الاستثناءات
، عبر تلك الاستثناءات حول المشرع حق
الحصول علي المعلومات الي مجرد كلمات لها وقع حسن في النفس ، لكن بتمعن ذات النصوص
في القانون نجد أنها كلمات عديمة المعني و لا تفيد أي حق . بل حولت المبدأ
والقانون برمته الي مجرد حبر علي ورق.
كما سبقت الإشارة ، فإن القانون يتحدث عن اثنتي
عشر استثناءاً منها علي سبيل المثال..
(أ) المعلومات
المحمية بتشريع.
(ب) المعلومات
المصنفة والمتعلقة بدولة أخري .
(ج) أسرار
الدفاع والأمن والسياسة الخارجية التي لم تمر عليها خمسون عاماً.
وهكذا علي هذا المنوال فرغ المشرع القانون من أي معني
ومضمون !!
الاستثناءات
الواردة في قانون حق الحصول على المعلومات السوداني
أورد القانون 12 استثناء يمكن عرض أهمها على
النحو التالي:
1
– الاستثناءات المتعلقة بالأمن القومي، نص القانون على أنه يستثنى الأسرار الخاصة
بالدفاع الوطني أو أمن الدولة أو سياستها الخارجية التي لم تمر عليها خمسون سنة.
ورود
هذا النص بهذه الكيفية دون تحديد لمفهوم المصلحة الأمنية المشروعة يجعل منه سيفاً
يمكن أشهاره في أي لحظة، وكما أن المدة الزمنية الموضوعة لحماية معلومات الأمن
الوطني والدفاع أطول من المعقول والمتبع عالمياً ( 30 سنة).
2
– الاستثناء المتعلق بالسجلات الشخصية للأفراد وحياتهم الخاصة وقد ضمن المشرع ذات
الاستثناء ما يتيح حجب المعلومات المتعلقة بالحسابات والتحويلات المصرفية والأسرار
التجارية والمالية المتعلقة بالعطاءات.
3
– الاستثناء المتعلق بتحقيقات الأجهزة الأمنية والعدلية بشأن جرائم قيد النظر.
4
– الاستثناء المتعلق بأي معلومات تحصلت عليها مؤسسة عامة من مؤسسة آخرى بصورة خاصة
إعتماداً على الثقة.
5
– الاستثناء المتعلق بالمراسلات الخاصة.
التوصيات :
إن مجتمعات أنظمة احتكار المعرفة تحتاج الي معالجات تختلف
عن تلك المتبعة عند المجتمعات الديمقراطية ، لذا ينبغي قبل إلزام أنظمة احتكار
المعرفة بسن قوانين كقانون حق الحصول علي المعلومات ينبغي إلزامها بـ :-
أولاً : تأسيس أجهزة دولة حديثة مستقلة (غير مسيسة)
مدنية كانت أو عسكرية، حتي تضمن تلك الأجهزة وجود معلومات محفوظة من الأساس،إذ أن
أجهزة الأنظمة الديكتاتورية غالبا ما تتلف أي معلومات تشير الي مخالفات او
انتهاكات أو فساد،،،
ثانياً : كفالة حرية التعبير والصحافة والنشر ،،،
ثالثاً : كفالة حق الاجتماع والتنظيم ،،،
رابعاً : ضمان حريات البحث العلمي ،،،
خامساً ضمان مبادئ دولة حكم القانون والشفافية .
------------------------------
* ورقة قدمت في المؤتمر الثاني للشبكة الاقليمية للمُساءلة الاجتماعية بالعالم العربي/ عمان/ 26-27/ ابريل 2015م.
الهوامش :
1/ أجيز القانون في 27 يناير 2015م من المجلس الوطني.
2/ حزب الأمة والحزب الاتحادي .
3/ اتفاق السلام الشامل في السودان الموقع في 9 يناير
2005م.
4/ آخر عملية مصادرة جرت في فبراير الحالي حيث تمت
مصادرة 14 صحيفة في يوم واحد (في 16 فبراير) ومصادرة 4 صحف يوم 18 فبراير.
5/ دستور السودان الانتقالي لسنة 2005م المصادق عليه
بواسطة حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية الجنوبية.
6/ أول خلاف بين شريكي العملية السلمية كان حول حقيبتي
النفط والمالية حيث ان الحزب الحاكم رغب في استمرار سيطرته علي حقيبة النفط وتوصل
الطرفان الي اتفاق يقضي الي انتداب لجنة تطلع علي عقود وزارة النفط بشروط ..
تعليقات
إرسال تعليق