التخطي إلى المحتوى الرئيسي

دولة القوميين و دولة الاسلاميين...ثم دولة المواطنين

  بالرغم انه من الثابت (علمياً) ان كل من يتبني رأياً متعصباً لفئة عرقية أو قومية معينة وينحاز لها بأي قدر ودرجة.. فهو علي قدر من الغباء ، ويعاني مشاكل عقلية عليه معالجتها، فان القوميين العرب وان لم يشذوا عن حكم تلك القاعدة فانهم يمثلون (كواكبا*، قياسا للإسلاميين). فبمحض الصدفة شاهدت في الايام الفائتة لقاءين تلفزيونين بين اسلاميين وقوميين، ولم يكن مصادفة ان يكون المحاور- المستضيف في الحالتين من الاسلاميين والضيف من القوميين...
   اللقاء الاول كان علي شاشة الجزيرة القطرية حين استضاف أحمد منصور السيد / أحمد أبوطالب (عضو مجلس قيادة الثورة السابق في سوريا) و الرجل القيادي البعثي من الذين عاصروا وعملوا كتفاً بكتف مع ميشيل عفلق وصلاح البيطار (والاثنان من رموز القوميين العرب ويسند اليهما فضل تأسيس الحزب البعثي في سوريا والعراق)، والحوار الثاني كان علي شاشة النيل الازرق حيث استضاف "الاسلامي" الطاهر التوم ، الاستاذ علي الريح القيادي-امين السر لحزب البعث (قطر السودان)- ومن خلال اللقاءين و ما طرح فيهما من اسئلة وردود خلصت الي اجابة لسؤال طالما هجس بخاطري وهو لما حكم القوميين العرب قبل الاسلاميين؟؟ مع ان الاسلام هو جوهر القومية العربية وقبله كان العرب مجرد عشائر متناحرة و متناطحة!!!
 فالثابت ان القوميين حكموا سوريا قبل أكثر، ولما يزيد عن أربعين  عاما وكذا في العراق، ومصر، وحتي ليبيا فان القذافي يحسب عليهم، وكذا في السودان فالنميري لسنوات كان في ركابهم سائرا، ولم تبدأ رحلة حكم الاسلاميين الا علي استحياء عقب 1983في السودان ثم بوضوح سافر في (1989و1990م) وفي غزة 2006م وفي مصر وتونس عقابيل الربيع العربي، وفي 1979 في ايران ان جاز اعتبار حكم ايات الله الشيعية حكما اسلامياً!!!
 الاجابة كانت "ان القوميين برغم غباءهم المثبت علميا والذي اشتهروا به واقعياً ويشهد به القاصي والداني ...إلا انهم اكثر ذكاء من الاسلاميين علي كل المستويات -الذكاء الاجتماعي والوجداني ..الخ- وذلك لكونهم عقلانيين اولاً و واقعيين، قياسا الي الاسلاميين بالطبع" ..
   فالقوميين انتزعوا الحكم عنوة واقتدارا في وقت صعب؛ حيث كانت الدول العربية قد خرجت لتوها من حالة الاستعمار وكانت الشعوب علي درجة  لا بأس بها من الوعي الذي نتج هن المقاومة، كما كانت الحالة الاقتصادية والاجتماعية مستقرة، فما كان بوسع كل من هب ان يقفز الي السلطة... كان الاسلاميين موجودون فالاخوان تأسسوا في 1928م، لكن وجودهم كان في حدود، اذ لم يكن ما يقولونه يستهوي احداً ولا يخدع احداً، بينما كان القوميين علي درجة من الاستعداد الفكري والبرامجي بفضل انفتاحهم علي الفكر المعاصر والمدارس الاشتراكية؛كما كانوا علي درجة ممتازة من الاستعداد التنظيمي بفضل العقلية العلمية التي تمتعوا بها وخدمتهم في مجالات الادارة وانظمتها، وفي حينها كان الاسلاميون ثلة من الدراويش المتمسكين بعبارات طنانه وفضفاضة ..
 في اللقاءين المشار اليهما بدا واضحا ان الضيوف " برغم تذاكي المقدمين وثقل ظلهم" .. كانوا حاضري الذهن وعلي درجة من الذكاء الاجتماعي وسعة الصدر فتجنبوا الدخول في المماحكات التي يجيدها الاسلاميون ويحبذونها، واستغلوا ما اتيح لهم من وقت للحديث في لب الموضوع وشرح مواقف احزابهم ورؤيتهم الشخصية لأحداث التاريخ.
   بينما في المقابل وصل الاسلاميين للحكم في لحظات حرجة من تواريخ تلك الشعوب وهي لحظات ضعف استغلها الاسلاميون وتسببوا في تنامي ذلك الضعف والتخلف بصورة مهولة ومخيف، ويتحدثون بسعادة الان عن كونهم خلفوا و ورثوا الدولة القومية في العالم العربي؛ بينما من  الواضح ان حكمهم لن يدوم طويلا برغم ما اثاروه واستغلوه من قضايا حساسة كالحكم بالشريعة وخلاف ذلك... ففي السودان اسقط الشعب حكم جعفر النميري العسكري برغم حكم الشريعة الذي ادعاه ودعم اخوان السودان له.
   وهذه الايام هي ايام تساقط الاسلاميين وبعد زوال حكم ودولة الاسلاميين وحكم القوميين من قبل ينفتح الطريق يتمهد امام دولة المواطنة لتسود منهيةً سنوات من الضياع والفشل والانهيار المتواصل ولتضع الشعوب في هذا الجزء المنسي من رقعة العالم الجغرافية والمهملة في التاريخ تضعه علي اول العتبات الدستورية الصحيحة لتأسيس وبناء الدولة.

تعليقات

  1. يجدر بي التأكيد علي ان مفهوم الدولة القومية لايستخدم في العالم العربي بصورة دقيقة لذا حرصت علي القول (دولة القوميين) ويجب اضافة: ان مفهوم الدولة القومية ليس مفهوما سالباً لأن القومية لا تعني سيادة عرق او جينات جماعة معينة وانما تأسيس هوية لمجمل القاطنيين في بيئة معينة عبر استخلاص القواسم المشتركة بينهم فالقومية ليست أمرا جامدا يستطيع كيان ان يوظفه ضد كيانات اخري مثلما يفعل البعض زورا او يتصور سواء كان بأسم القومية العربية أو القومية الافريقية!!
    وحالياً بعد ان تأسست الدولة القومية في اوروبا وسادت لعقود ها هي أوروبا تتجه لتأسيس (قومية أوروبية) تشمل كل شعوب القارة العجوز، ما يؤكد ان القومية ليست بالضرورة لغة واحدة او عرق واحد نقي وانما كيان حضاري مشترك
    ان الدول (المسماة قومية) سواء في العراق او سوريا او خلافهما لم تكن دول قومية فحكم البعث العراقي لم يكن قوميا عربيا ولا عراقياً ولا سنياً ولا تكريتياً بل ولا مجيديا حتي -نسبة الي اسرة صدام- بل كان فقط (حكم صدام حسين)، وحكم البعث السوري لم يكن حكم القوميين ولا السوريين ولا الاسديين بل حكم حافظ الاسد ونجله بشار ودائرة ضيقة تمثله عوائل آل مخلوف واخرين.
    فتلك الحكومات كانت حكومات ديكتاتورية صرفة،

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...