التخطي إلى المحتوى الرئيسي

سلام المتشددين .. بعد فشل سلام المعتدلين

 و عودة نتنياهو هل تدعم انقلابيو السودان؟

بالنسبة للسودان و للمكون العسكري تحديداً فان العلاقة مع اسرائيل لم تكن عمل استراتيجي في المبتدأ، كانت خدمة لخطة ترامب التي تبنتها حكومات في الاقليم (الامارات) و كانت تبحث عن جهة تسوق تلك الخطة و كان المكون العسكري في السودان هو مدير التسويق الانسب..
لماذا كان المكون العسكري هو المسوق المناسب؟
لم يكن لدي المكون العسكري الطامح لخلافة البشير أي مشروع سياسي وطني، ناهيك عن مشروع اقليمي أو دولي، لذا كانت هذه العملية مدخل لكسب بعض الدعم المالي و السياسي؛ و هو في أمس الحاجة لذلك، كما ان تقديراته كانت ان ملف العداء لاسرائيل قد استهلك و استنفد تماماً و أدي اغراضه، كان الحديث عن التطبيع مع اسرائيل مقبولاً حتي في اروقة النظام البائد و دوائره الاشد تطرفاً بعد ان بان افلاسه، مدير المخابرات الاسبق "قوش" التقي بنظيره الاسرائيلي بدايات العام ٢٠١٩ في قمة ميونخ للأمن و لم يحدث ذلك اللقاء اي ردة فعل رافضة من أي درجة (لا عنيفة و لا عقلانية) !!!
بل اصبح الحديث علناً عن علاقة دبلوماسية و سياسية و تعاون اقتصادي و (علمي) و أمني بالضرورة مع دولة اسرائيل حديث مسموع و مشروع بل و دليل علي انفتاح و افق جديد في السياسة المحلية !!!
هذا التوجه لم يكن يستند لرؤية استراتيجة و لا معرفية سياسية انما اجتهادات ناشطين و مغامرين سياسيين لا أكثر و لا أقل.
لذا بالنسبة للمكون العسكري كانت علاقة مع اسرائيل مجرد مغامرة محسوبة، اذا حسنت رصيده السياسي فبها و انعم؛ و ان لم تفعل بحثوا عن مغامرة غيرها !! هكذا بهذه البساطة.
ابعد من ذلك فإن المسار الذي سمي (الاتفاق الابراهيمي) ليس معبراً عن تيار اصيل في اسرائيل و لا اميركا و لا الشرق الاوسط، انما يمثل تيار المتشددين من اليهود و تيار ترامب في اميركا، اما في الشرق الاوسط فهو تيار يمثل السلطويين الذين اعتقدوا ان الظاهرة الترامبية ستسود!
انهم يراهنون علي ذلك؛ لأنه و لأول مرة يصعد رئيس الي البيت الابيض يفهمونه و يفهمهم و يستطيعون التعاطي معه بلغة التطرف و التعصب و المال!
الاتفاقية الابراهيمية هذه ليست تطبيع فقط مع اسرائيل .. انها تطبيع مع اسوأ حكومة في تاريخ اسرائيل برعاية اسوأ ادارة في تاريخ الولايات المتحدة!
انه تطبيع مع حكومة اسرائيلية لا تعترف بحق الفلسطينيين في الوجود، و لا بحل الدولتين، حكومة تتوعد بأشرس حملة لبناء مستوطنات في اراضي فلسطينية محتلة، حكومة تري ان الضفة هي يهودا و السامرة.
انها تطبيع بلا مقابل، تطبيع مع استمرار سياسة الاستيطان و سياسات التهجير و العقاب الجماعي و القتل العمد بمجرد الاشتباه او دون اشتباه حتي.
انها تطبيع تنازل بها العرب حتي عن مبادرة السلام العربية المزعومة.. انه لقاء المتطرفين من الجانبين بعد ان فشل لقاء المعتدلين.
فلسطين منقسمة صحيح، هناك معاهدة سلام مع فتح في الضفة الغربية و هدنة مع حماس في غزة، مع ذلك فان الاستيطان و الاجتياحات و الهدم علي اشدها في الضفة.. و هدوء في الجبهة مع حماس الا من قصف متقطع.
الاوضاع علي جبهة الهدنة افضل منها في جبهة السلام !!
المتشددين و المتطرفين اقدر علي فهم بعضهم و اقدر علي التعايش لكن دون سلام .. هو اذاً تطبيع للعداوة !!
السودان (و دول أخري) وقعت اتفاقات تطبيع لكنها لم توقع اتفاقيات سلام!
الادارة الاميركية الحالية و ما سبقها من ادارات (و ما سيلحقها ايضاً) معتدلة جمهورية او ديمقراطية اسقط في يدها بسبب فشل مسار سلام المعتدلين..
المتطرفين و اليمنيين في الجبهتين الاسرائيلية و العربية عرقلوا ذلك المسار،  لذا فان تلكم الادارات ستظل تراقب مسار التطبيع الابراهيمي (تطبيع المتشددين هذا) لتكسب به بعض الوقت و تلهي به جميع الاطراف حتي تتمكن من تطوير رؤية جديدة و تستطيع عبرها احداث اختراق جاد.. و ان افضي هذا المسار الي حل فسيكون علي طريقة "و يأتيك بالانباء من لم تزود" !!
بعد لقاء عنتبي بين البرهان و نتنياهو اقتصرت المسألة علي وفود اسرائيلية و سودانية عسكرية و امنية، معظمها عمل بصورة سرية .. لكن ماهي طبيعة التنسيق الأمني هذا مع اسرائيل و في أي المواضيع و القضايا؟؟ فالتقاطعات ليست كثيرة و لا كبيرة بين السودان و اسرائيل.. اللهم الا متابعة اغلاق مكاتب حماس و استثماراتها في الخرطوم !!
و اقتصر الأمر علي مكتب خاص للتنسيق مع اسرائيل في وزارة الدفاع هنا !! و هل لوزارة الدفاع مكتب تنسيق خاص بكل دولة؟ او كل دولة مهمة؟ مكتب خاص لاميركا و آخر لروسيا و ثالث لمصر و رابع للسعودية؟ و هل حل مكتب التنسيق مع اسرائيل محل اهمية مكتب التنسيق "في السابق: مع ايران؟
كل هذه الاسئلة لا أملك اجابات عنها و اثق من ان المكون العسكري نفسه لا يملك عنها احابات !!!
بعد لقاء عنتبي بشهور اطيح بنتنياهو في انتخابات برلمانية، لكنه نجح في وقت قصير (انتخابات مبكرة هي الخامسة في اربعة سنوات) في العودة لرئاسة الحكومة، و عاد بتحالف ضم الاحزاب الأشد عداءاً للفلسطينيين، و كان متوقعاً ان يعود لاحياء تلك المسارات (الابراهيمية) فالرجل يبحث عن فتوحات مع دول الممانعة السابقة ليعوض بها ضعف موقفه السياسي في الداخل الاسرائيلي.. هل تصمد حكومته و تحالف اليمين الاسرائيلي المتطرف هذا؟ الايام حبلي بالخبر الأكيد.. فان فعل سيبقي زخم التطبيع قائما و إلا فلا !
اما اذا نجح التيار الترامبي (الأشد محافظة) في تثبيت اقدامه و عاد الي البيت الابيض و بقية مؤسسات واشنطون فان رهان سلطويو الشرق الاوسط و اسرائيل سيكسب، هل يحدث ذلك؟
التاريخ وحده سيجيب، و انتخابات الرئاسة في ٢٠٢٤م ستفعل!

٣ فبراير ٢٠٢٣م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...