التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تضارب المصالح و نقل السلطة.. دروس من الديمقراطية الاميركية

   تقدم انتخابات الرئاسة الامريكية 2016م عدة دروس بالنسبة لنا نحن قاطني العالم الثالث ومواطني الدول التي توصف ( من باب التفاؤل ) بالنامية..
اهم تلك الدروس ما يتعلق بادارة المصالح خاصة عند الخشية من حدوث تضارب بين مصلحة شاغل الوظيفة العامة ( الرئاسة ) ومصلحة المرؤسين ( المواطنين ) والتي تعرف بمصطلح تضارب المصالح  Conflict Of Interest
فلدي الدولة الامريكية سلسلة من القوانين واللوائح و القرارات التي تحكم هذه المسألة وتحكم الجميع ( رئيس ومرؤسين ) بما يضمن عدم استغلال الوظيفة العامة لتحقيق مصلحة خاصة وعدم استخدام النفوذ للربح الشخصي لشاغل الوظيفة او للمحسوبين عليه،،

   من ذلك ان علي الرئيس بمجرد اعلان فوزه ان يقوم بالاعلان عن جميع ممتلكاته، وجميع انشطته الاقتصادية، بناء علي ذلك الاعلان توضع كل املاكه تحت ادارة ورقابة جهاز الدولة المدني المختص؛ والذي يقوم بتعيين ادارة مستقلة لتلك الاملاك، ومن سلطته ان يقوم بتحويل اي انشطة يري من الضروري ذلك الي سندات خزانة حتي يضمن حسن اداراتها بحيث لا يضار الشعب ولا شاغل الوظيفة العامة..
   ما يحدث في بلداننا هو ان الحاكم يتصرف في المال العام وكأنه ملكه الخاص، ولا يستطيع كائن من كان ان يتساءل عن ممتلكات الحاكم الخاصة والا اتهم بالاساءة للذات ... ويستطيع الحاكم ان يستغل سلطاته ونفوذه لتحقيق مكاسب لنفسه ولغيره من بطانته بل ويستطيع ان ينقل ممتلكات عامة بوضع  اليد لمنفعته..
    لا يمثل انتخاب درس لنا بل درس حتي للمؤسسات الامريكية نفسها اذ لم يسبق لأمريكا ان انتخبت ملياردير ( علي الاقل في العهود القريبة ) فالادارة الأن مواجهة بادارة ملف مالي لرجل فاحش الثراء متعدد الاملاك، صاحب امبراطورية اعمال.. ولديه تاريخ من الالتفاف علي سلطات الضرائب، لذا ليس من المستبعد ان يستغل خبرته في الالتفاف علي الادارة المعنية بتضارب المصالح،
   علي كل حال لا يعنينا في شئ فشل امريكا او نجاحها في ادارة ملف ترامب المالي، بقدر كا يعنينا ان نأخذ منها فكرة ادارة تضارب المصالح، ومراقبة شاغلي المنصب العمومي بحيث لا يدار لمنافع خاصة او شخصية... ويعنينا ايضا فهم منظومة قواعد الشفافية التي تراقب شاغلي المناصب العامة، والتي تحول بينهم وبين اصدار قرارات خدمة لمصالح فئات ضيقة و مقربة، او تسريب سياسات قبل اعلانها خدمة لتلك الفئات.
   من دروس ديمقراطية اميركا ايضا درس نقل السلطة، و كيف يتم ذلك النقل بسلاسة بين الرئيس السابق و الرئيس المنتخب؛ رغم اختلاف خلفياتهما السياسية و اراءهما الفكرية.. ورغم ايضا ضخامة وتعقيد الدولة ومؤسساتها التي يحكمانها و تشابك وتقاطع المجتمع الذي يديران مصالحه.
   فبرغم ضخامة الدولة الامريكية، بجيوشها، و ضخامة مؤسساتها المدنية، وقطاعاتها الصناعية و المالية والتجارية والزراعية، فان انتقال السلطة يتم فيها بسهولة لا تتوفر لنقل الملفات بين اصغر موظفين في اتفه وحدة ادارية في بلداننا !!
   لقد طور الامريكيون عبر تجربتهم الديمقراطية الطويلة ( منذ 1774 وحتي اليوم ) تقاليد و عرف سياسي ودستوري؛ من ذلك ان الفترة ما بين اعلان اسم الفائز بمنصب الرئيس ( اول نوفمبر ) و موعد التنصيب ( اواخر يناير ) يسمونها البطة العرجاء وفيها يلتزم الرئيس المنصرف بعدم التقرير في المسائل الاستراتيجية بل يرجئ النظر ليقرر الرئيس الجديد بشأنها.. ويكتفي الرئيس بالتقرير في امور التسيير فقط..
   كل هذه الاعراف الدستورية والتقاليد السياسية لم تأتي من فراغ انما انبنت علي منظومة قانونية ودستورية راسخة القدم اتاحت ممارسة غنية قابلة للتطور وغير قابلة للانتقاص وهذا ما نفتقد اليه بشدة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...