بعد طول تأمل واستغراق
لما آلت اليه الاحوال في بلادنا والتي قادتنا اليها سلطة البشير وجماعته
"والتي بدت في الثلاثين من يونيو 1989م وكأنها انقلاب عسكري الا انها في
الواقع انقلاب مليشيا سياسية فمعظم من شاركوا في التحرك مدنيين ارتدوا الزي
العسكري في انتحال فاضح للصفة القومية لمؤسسة الجيش"؛ فان ما اطمئن له الأن
هو ان النظرية المعتمدة في ادارة البلد منذ ذلك التاريخ هي الفوضي والفوضي الشاملة،
لا توجد أي قواعد منظمة تنطبق علي الجميع؛ لا يوجد اي قواعد بالمره، هناك سلطة
ونفوذ للبشير وعدة أشخاص حوله تعتبر كلمتهم ماضية و فوق أي كلمة ولو كانت كلمة
التشريع..
ليست الفوضي السائدة هنا ذات علاقة بالنظرية الامريكية المتعلقة
بالسياسة الخارجية والمسماة "الفوضي الخلاقة"؛ والتي طبقت في العراق و
ما اسفر عن تنفيذها أي "خلق".
هناك الاف الامثلة علي حالة الفوضي العاصفة واللانظام يمكن ان ندلل علي بعضه :
هناك الاف الامثلة علي حالة الفوضي العاصفة واللانظام يمكن ان ندلل علي بعضه :
* فوضي التشريعات؛ حكم السودان في الفترة من 1989م وحتي الان بخمسة دساتير هي اولا المراسيم
الدستورية الأربعة عشر، ثم دستور 1998 الدائم ( ولا دائم الا وجهه) وهذين
الدستورين كتبهم شخص واحد هو العراب حسن الترابي وامضاهم رجل واحد هو المشير البشير،
ثم دستور 2005 الانتقالي ( وحسنا فعلوا باقرارهم بالصفة الانتقالية)، والذي تم
تعديله في 2011م ليواكب التغير الذي احدثه انفصال الجنوب علي بنية الدولة
وشخصيتها، ثم التعديل الدستوري الذي سيدخل حيز النفاذ مع بدايات العام الجديد
2017م. فيما تفوق فوضي التشريعات والتعديلات القانونية مقدرة أي مراقب او باحث علي
الرصد والتقصي!
هذه الفوضي الدستورية والقانونية تجرد نظام الحكم والادارة من قيمته
اذا ان هدف القانون "أي قانون" هو تكريس حالة الاستقرار و الرسوخ، واي
دولة بلا نظام عدلي مستقر تصبح شئ آخر.
* فوضي الحكم و الادارة العامة؛ فالسودان
يفترض في حكمه ونظام ادارته العامة انها فيدرالية، اقر ذلك منذ العام 1994م لكن
ماهو مطبق حاليا هو فيدرالية ادارية وليست سياسية، فوحدات الحكم الفيدرالي
"الوﻻيات" بلا صلاحيات تذكر، الوﻻة غير منتخبين انما يعينهم
الرئيس، واجهزة الوﻻية بلا صلاحيات حقيقية ما يجعلها مجرد ازرع للرئيس وللحكومة
"الاتحادية" فليس لها جهاز تشريع بسلطات كاملة، ولا قضاء ونائب عام
مستقل وبدون جهاز شرطة منفصل عن المركز، ولا ادارة مالية منفصلة الايرادات والصرف
"ضرائب وجمارك" .. الخ و بدون سياسة تعليمية وصحية مستقلة.
* فوضي التعيين والفصل من جهاز الدولة "الخدمة المدنية
والعسكرية"، فحتي وقت قريب كان الملتحقين بالسلك المدني او العسكري لا يأمنون
البقاء في وظائفهم اذ يمكن ان يفصل احدهم في أي ساعة من ساعات النهار او الليل من
وظيفته دون ذكر اسباب وفقط بمبرر الصالح العام، و حاليا الفصل مستمر بمبررات
جديدة، و دون الالتزام بقوانيين و لوائح التخديم.
*فوضي الادارة الاقتصادية، فقرارات التمويل البنكي او وقفه تتطرد؛
وقرارات فتح باب الصادر و الوارد او غلقه، وتعريفات الجمارك تتبدل بين كل ساعة
واخري. كما ان سعر العملة المحلية ليس له اي مؤشرات يمكن الركون لها، و سياسات
التعامل في النقد الأجنبي تتراوح بين التجريم المعاقب عليه بالاعدام و بين التحليل
الذي يثاب فاعله!!
*فوضي التسليح، لم يعد السلاح حكرا علي قوات الدولة بل من السائد ان
يوجد سلاحها في يد ميليشيات قبائلية أو سياسية و في يد افراد لم يتلقوا جرعات
التدريب والانضباط الضروري لمن يناط بهم فرض النظام والقانون.
* فوضي
الامن، اذ لم تعد الشرطة هي الجهاز الوحيد المخول له اختصاص فرض القانون فهناك عدة
اجهزة امنية مخابراتية تعمل بالداخل ويتحرك منسوبوها باللباس المدني و بسيارات
ملاكي عادية ويقومون باجراءات القبض و التفتيش والملاحقات والمقاضاة وهذا ما يجعل
المواطن عرضة لعصابات الجريمة التي يمكن ان تختطف وتبتز أي مواطن بغطاء اجهزة
الأمن.
* حالة الفوضي الماثلة في الشوارع والطرقات والنقل العام والمواصلات و
الاسواق و باختصار حالة الفوضي المدنية والعمرانية؛ ففي هذا المجال لا وجود لشئ
يمكن الاعتماد عليه كسائد، لا شئ مستقر، الكل متغير ومتبدل.
تلك نماذج فقط من حالة الفوضي الضاربة والمقيمة
التي يتعرض لها المواطن السوداني و يتعايش معها، هذا الوضع ليس نتاج عشوائية
و انما فوضي مقصودة فالحكام هنا ارادوا ان يحكموا دون ان تترتب عليهم اي مسؤولية؛
حتي اضحي الحكم هنا نوع من الامتياز! لا علي الحاكم اي التزام تجاه محكوميه يرتب.
عمليا فإن كل ما يفعله
المشير البشير و اعوانه هو تسهيل مهمة الحكم علي انفسهم وعدم التقيد بأي محددات او
سقوف .. انهم لا يبالون لوحدة التراب و الشعب و لا لفعالية وكفاءة اجهزة الخدمة
والحكم اذ ان ما يعنيهم هو فقط استمرارهم في السلطة مهما كان ثمن استمرارهم باهظا
طالما ان الشعب من يدفع الثمن من حاضره ومن مستقبل الدولة والاجيال.
تعليقات
إرسال تعليق