نهاية عصر الإرهاب الأصولي *
إن تنامي وصعود جماعات
الإرهاب الأصولي والسلفي منذ ستينات القرن الماضي، يمثل في الواقع ردة فعل وعرض
جانبي لمرض رئيسي هو قمع وعنف واستبداد الحكومات.. وبمرور الوقت أضحت الصلة بين
تلك الجماعات والأنظمة الحاكمة هي صلة اعتماد تبادلي، كل الطرفين يحاول أن يستمد
مبرر وجوده وشرعيته بوجود الآخر، ويبرر أفعاله بأنها رد فعل على ما يقوم به الجانب
الآخر.
بل وتخطت تلك الصلة هذا
الحد ووصلت مراحل دعمت فيه الأنظمة الجماعات (وإن كان ذلك من طرف خفي) في مناسبات
عديدة ابتداءاً من دعمها بحجة مقاومة الاحتلال الشيوعي لأفغانستان إلى تغذيتها
لمقاومة الفكر الشيوعي أو الليبرالي.
لذا وبسقوط أنظمة القمع
والاستبداد تفقد الجماعات الأصولية دعامة مهمة تستند عليها وتتلاشى مبررات
وجودها.. وليس متوقعاً بطبيعة الحال أن تزول تلك الحركات ويزول فكرها وأدبياتها
تلقائياً وسريعاً بزوال المؤثر –الأنظمة- الذي أوجدها، ومنحها المبرر الأخلاقي
للاستمرار ولارتكاب فظائعها، فهي ستقاوم من أجل البقاء (تماماً كما قاومت أنظمة
الاستبداد للبقاء) وكما في علم الأحياء فإن المقاومة من أجل البقاء في ساحات
السياسة والاجتماع هو حق طبيعي على هذا الكوكب، وهو حق مكفول لأبسط وأحقر
الكائنات.
ربما كانت مصادفة أن
يقتل أسامة بن لادن على أيدي جنود القوات الأمريكية والتي حدثت بباكستان أوائل شهر
يونيو 2011م، وذلك قبل أن يجد الوقت الكافي ليوائم فكره وفكر القاعدة مع الظرف
السياسي الجديد الذي تختفي فيه أنظمة الاستبداد من المسرح، ولكن ليس مصادفة أن تجد
القاعدة وغيرها من التنظيمات المتشددة نفسها في موقف لا يختلف كثيراً من ذاك الذي
وجد فيه بن لادن نفسه وهو يواجه جنود أمريكا في أبوت أباد الباكستانية ليلة اقتحام
مقره!.
لذا ستبدأ هذه
التنظيمات تفقد مبرر وجودها الأخلاقي كما أنها ستفقد الكثير من مصادر دعمها
وتمويلها المادي، والذي كان يأتي من المخابرات في الغالب، وليست مخابرات أجنبية
فقط بل ومن الداخل أيضاً، ثم إن ايدولوجيا الإرهاب ليست كلها نابعة عن عوامل محلية
وإنما اعتمد أيضاً على مفارقات وتناقضات السياسة الدولية. واستراتيجية (الحرب على
الإرهاب) الأمريكية والحلف الدولي الذي يساندها منحت تلك الجماعات (خصوصاً
القاعدة) فرصة ذهبية لكسب تعاطف فئات واسعة من العامة في البلدان العربية
والإسلامية، كما أن موقفها المتعسف تجاه بعض التيارات (حزب الله، حماس، وحتى
جماعات الأخوان) أبرز صورة تلك الحركات وكأنها حركات ذات مصداقية نضالية على الأقل
من وجهة نظر الرأي العام في المنطقة.
ولو كانت الإدارات
الأمريكية المتعاقبة تعاطت مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م في حدود الحدث المنطقية والعقلانية بوصفه جريمة
(نفذتها إحدى عصابات الجريمة المنظمة)، وليست اعتداء حربي (كما صورته الإدارة
والإعلام الأمريكي والغربي) نفذته جمهورية تناصب الحضارة الغربية العداء، ومن ثم
يستلزم الرد عليه تحريك كل آليات صدام الحضارات، وتجنيد الأساطيل والجيوش واحتلال
الدول.. الخ، لما تطورت القضية على هذا النحو الخطير الذي حدث وتسبب في تعميق
الشرخ بين شعوب الشرق الأوسط وأمريكيا، بل ولما نجحت جماعات رجعية وأصولية (متخلفة
الفكر والأدوات) كالقاعدة وطالبان من الصمود في وجه الولايات المتحدة الأمريكية كل
هذه السنوات!.
إن الأنظمة الديمقراطية
الآخذة في التشكل حالياً لتحل محل أنظمة الاستبداد، ستجد نفسها مؤهلة سياسياً
وأخلاقياً لمكافحة تنظيمات التشدد والأصولية، ومواجهتها فكرياً ومعرفياً
وأمنياً... لذا من المتوقع ألا تنقضي سنوات قلائل حتى يجد الإرهابيين أن حججهم
تسقط واحدة تلو الأخرى، وينتهي عهد شتاء الإرهاب ببداية ربيع الشعوب وربيع
الديمقراطيات العربية.
بل وحتي الجماعات
الإسلامية التي لها خبرة في العمل المدني والسياسي (كجماعة الأخوان المسلمين) ستجد
نفسها أمام استحقاقات كبيرة فإما أن تنحاز كلياً لقواعد العملية الديمقراطية بكل
فروعها (احترام المساواة بين الأديان، وبين الجنسين، والحريات السياسية، وحريات الرأي
والفكر والاعتقاد، والحريات الشخصية...الخ) أو أن تجد نفسها في مواجهة الشعوب التي
أسقطت أنظمة محروسة بتنظيمات سياسية وأمنية وجيوش نظامية.. في سبيل الحرية، ولن
تتنازل عن مكاسبها لأي سبب أو مبرر.
* كتبت هذه السطور بعد تنحي الرؤوساء (بن علي، مبارك، علي صالح)، ومقتل القذافي، واندلاع العنف في سوريا؛ وقبل بروز تيارات جبهة النصرة وداعش.. وهو البروز الذي أعتبره صحوة الموت بالنسبة للتيارات الاصولية ستتلاشي بعده وتزول. فداع ليست الا ملمح لإلتقاء مصالح أعداء، النظام السوري وحليفه الايراني من جهة والدول العربية السنية التي سعت لوضع حد لظاهرة الربيع كلهم راهنوا علي الارهاب السلفي ليخدم مصالحهم.. وقد نجحت داعش في ذلك بقدر لكنها انفلتت الان وستواجه مصير الجنود المرتزقة.
* كتبت هذه السطور بعد تنحي الرؤوساء (بن علي، مبارك، علي صالح)، ومقتل القذافي، واندلاع العنف في سوريا؛ وقبل بروز تيارات جبهة النصرة وداعش.. وهو البروز الذي أعتبره صحوة الموت بالنسبة للتيارات الاصولية ستتلاشي بعده وتزول. فداع ليست الا ملمح لإلتقاء مصالح أعداء، النظام السوري وحليفه الايراني من جهة والدول العربية السنية التي سعت لوضع حد لظاهرة الربيع كلهم راهنوا علي الارهاب السلفي ليخدم مصالحهم.. وقد نجحت داعش في ذلك بقدر لكنها انفلتت الان وستواجه مصير الجنود المرتزقة.
تعليقات
إرسال تعليق