بحث
الصحافة والقانون في السودان
أنور محمد سليمان(*)
مقدمة :
يهدف
هذا البحث – على عكس ما قد يتبادر إلى أذهان الكثيرين- إلى محاولة فهم العلاقة بين
الصحافة والقانون ، عليه فإنه سيركز على القانون العام أو القانون بصفة عامة
(الدستور، القانون الجنائي،قانون الإجراءات) وليس قانون الصحافة ،فالقوانين العامة
كالدستور والقانون الجنائي والقانون المدني أيضا هي التي (أو يفترض ذلك) تحكم كافة
مناحي الحياة وتحكم علاقة كل المهن والمهنيين بجمهورهما فتضع الضوابط وتبين الحدود
بصورة عامة وبوضوح أيضا مما يجعل هامش الحرية ومن ثم الإبداع والتقدم مفتوح من جهة
ويحفظ الحقوق ويمنع التعدي ومن جهة أخرى بينما القوانين الخاصة (قانون الصحافة في
هذه الحالة) تكون بمثابة منظم داخلي تحكم وبالتالي تهم فقط المعنيين والعاملين في
الحقل الخاص الذي ينظمه القانون الخاص ،فقانون الصحافة يضبط العلاقة بين إدارات
الصحف ومالكيها من ناحية والصحفيين وعمال الطباعة من ناحية أخرى، وينشئ وينظم عمل
المجلس المهني الذي يهتم بتطوير العمل الصحفي ويضبط علاقة ذلك الجهاز (المجلس)
بالصحف، ويوضح الخطوات اللازمة لإصدار أي صحيفة، شريطة أن لا تخل هذه الضوابط
بالحقوق الدستورية والقانونية كحق التعبير وحرية الرأي ، وضوابط منح تراخيص العمل
الصحفي ، ومنح سلطة اتخاذ الإجراءات والخطوات اللازمة لترفيع الأداء الصحفي كإنشاء
معاهد علمية لتدريب الصحفيين وإكسابهم الخبرات اللازمة لممارسة المهنة ...الخ، و
كل هذه الأمور /كما هو واضح/ ليست لها علاقة مباشرة بالعامة والجمهور ، لذا فعندما
يقع نزاع بين صحيفة ما وطرف آخر (فرد أو مؤسسة) فإن القوانين العامة هي التي تسود
وتلتزم المحاكم بتطبيقها أما عندما يكون النزاع بين صحفي وصحيفة أو بين صحيفة
ومجلس الصحافة ويكون النزاع ذي طبيعة مهنية فإن المحاكم تكون ملزمة بتطبيق قانون
الصحافة في هذه الحالة.
إن العلاقة التي تربط بين القانون
والصحافة لا تختلف عن تلك التي تربط بين القانون وأي حقل مهني آخر أو أي نشاط من الأنشطة
البشرية الأخرى كالعمل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي و الإنساني...الخ ،
وبرغم ذلك كانت هذه العلاقة (بين الصحافة والقانون) هي الأكثر توترا والأكثر إثارة
للجدل وذلك لأسباب عديدة يسعى هذا البحث لاستقصائها وتمحيصها .
لكن السبب العام الذي يمكن إجمال بقية الأسباب
فيه هو أن علاقة الصحافة بالقانون في السودان لم تصل بعد لمرحلة التوازن المنشود
الذي يحفظ للصحافة حريتها ومهنيتها واستقلالها وبالمقابل يحفظ للقانون ممثلا في
الحكومة –أجهزة تنفيذ وتطبيق القانون من قضاء ونيابة وشرطة وجيش ...الخ- هيبته
واحترامه وسيادته وذلك بعدم السخرية والاستهزاء منه والطعن فيه بغير السبل
والوسائل الموضوعية والشكلية المتعارف عليها والتي يقرها الدستور نفسه.
فبنظره عامة إلى تاريخ هذه العلاقة نجدها تنقسم إلى فترتين ، الأولى تهيمن
فيها الحكومة عبر أجهزة وتنفيذ القانون على الصحافة فتفرض عليها رقابة مختلفة الإشكال
وتسلط عليها سيف المصادرة والحجب والملاحقة الأمنية والقضائية بغرض إخضاعها لبيت الطاعة السياسي ،
والثانية تفلت فيها الصحافة من تلك الملاحقة ثم لا تقيم أي وزن أو اعتبار للقانون و
باسم الحرية وبلا قيود مهنية أو أخلاقية تنطلق مثيرة للفتن العرقية والدينية وتخلط
الأجندة الوطنية القومية بالأجندة الأجنبية حتى تصبح ميدانا للعمل المخابراتي أكثر
منه للعمل الصحفي.
وفي سبيله لفهم وتوضيح طبيعة العلاقة
بين الصحافة والقانون وتتبع التقاطعات التي تقع أو التي يحتمل أن تقع بينهما ومن
ثم ينجم عنها مثل هذا التوتر والجدل الراهن فإن هذا البحث سيتناول موضوع العلاقة
بين الصحافة والقانون في ثلاثة أقسام ، حيث يتناول الفصل الأول المواد الواردة في
القانون العام والمدني التي تتناول مسائل ذات صلة بالصحافة والتي تبين حقوق الصحفي
وواجباته والتي ترد بطبيعة الحال ولطبيعة تلك القوانين بصيغ عامة ينتفع منها
الصحفي وغير الصحفي كحرية الفكر والرأي والاعتقاد و التعبير ...الخ.
بينما يتناول الفصل الثاني
الامتيازات التي تمنح للصحافة وللصحافيين من اجل تمكينهم من ممارسة مهنتهم بصورة
مهنية مستقلة بعيدا عن التأثير المباشر للدولة سواء كانت تلك الامتيازات منصوص
عليها في القانون أو هي متعارف عليها مهنيا.
أما الفصل الثالث فيتناول
الممارسة والتطبيق القانوني الذي تنتهجه أجهزة العدل في سبيل تنفيذ النصوص
المتعلقة بالعمل الصحفي ويتضمن ذلك الإجراءات القضائية وشبه القضائية والإدارية ثم
التدابير العقابية في مواجهة الصحف أو المحررين المدانين بموجب حكم قضائي.
كما يحاول البحث في خاتمته أن
يقدم عبر استشراف مستقبل العلاقة بين الصحافة والقانون رؤية لقواعد وأسس ينبغي أن
تحكم تلك العلاقة تلك الرؤية تعتمد على التعمق في إرشاد وأدبيات وأخلاقيات مهنة
الصحافة التي استقرت بعد عقود من الممارسة الصحفية في السودان ودراسة الإرث
القانوني الذي استقر في قواعد قانونية وأفق تطور هذه القواعد القانونية في
المستقبل.
الصحافة والقانون : حقوق وواجبات
يندر أن تحظى مهنة من المهن أو نشاط من الأنشطة
الإنسانية الاجتماعية بالاهتمام الدستوري والقانوني الذي حظيت به الصحافة مع العلم
بأن الصحافة مهنة مستقلة عن المؤسسة الحكومية في الغالب من الأحيان ، وسبب هذا
الاهتمام هو أن الصحافة وثيقة الصلة بالشأن العام سياسيا كان أو خلافه وهي لذلك
كثيرة الاحتكاك بأجهزة الحكم رصدا ومراقبة وتغطية ، دعما أو نقدا.
كما أن الصحافة هي احد أهم الأدوات لخلق
وتنمية وتغيير الرأي العام والرأي العام هو بمثابة مناخ تعيش وتتنفس أجوائه
السياسات والخطط، لدرجة انه يمكننا القول باطمئنان أن أي سياسة أو برنامج بلا رأي
عام ايجابي لهي أمر محكوم عليه بالفشل والموت.
وقد
أصبح من المسلمات داخل السودان وخارجه وسط النخب الحاكمة أو الجماعات المعارضة ،
وبين المنظمات الحزبية والمدنية وبين العامة أن الصحافة هي عين الشعب المفتوحة
والتي لا ينبغي عصبها مهما كانت الظروف ،وفمه الذي لا يجوز تكميمه أيا كانت الأحوال
، بل وهي أحيانا يده أيضا ، فكم من تقرير صحفي قصير تسبب في إسقاط حكومات أو فض
تحالفات أو تغيير سياسات ...الخ.
ويتمثل الاهتمام القانوني (التشريعي)
بالممارسة الصحفية والإعلام بصفة عامة في السودان في كون أن الدستور والعديد من
القوانين أفردت مواد بعينها لتنظيم الممارسة الصحفية مع العلم بأن كل مواد الدستور
وبقية القوانين ذات الصيغة العامة تهم الصحافة والصحفيين إذ تمنح حقوق وترتب
واجبات ينتفع بها ويلتزم بها الجميع بما في ذلك من يعمل في حقل الصحافة.
وقد رتب الدستور الانتقالي والقانون الجنائي
وقانون الإجراءات الجنائية العديد من الحقوق والواجبات ينبغي على الصحفي أن يلم
بها ليستفيد من الحرية المكفولة له ، فالحرية تصبح بلا معنى عندما لا يكون للإنسان
أفق يمكنه من استثمارها واستثمار الحرية يتطلب في المقام الأول معرفتها معرفة
دقيقة ، وبالمقابل ينبغي عليه معرفة واجباته حتى يتحاشى التقصير و الذلل ، وفيما
يلي نعرض تلك المواد وفق الترتيب الوارد أعلاه.
1/ المواد المتعلقة
بالصحافة في الدستور:
إبتداءا لا مناص من تكرر التأكيد بأن الصحافة معنية بكل مواد الدستور ، فلا بد لأي صحفي أن يلم بمواد
الدستور كلها وأن يكون الدستور بمثابة كتاب مقدس ثانٍ له حتى يتسنى له التمسك
والتبشير به و شرحه للجمهور والدفاع عن الحقوق الواردة فيه وحمايتها من أي انتهاك أو
انتقاص ، لأن الحقوق الواردة فيه تمثل الأرضية الصلبة اللازمة لنجاح وانتعاش أي
ممارسة مدنية (والصحافة تأتي بلا شك على رأس قائمة الممارسات المدنية) ، ولن تضمن
الصحافة حريتها وحقوقها ما لم تضمن الحرية والحقوق للجميع.
أقر الدستور الانتقالي في الباب الثاني منه جملة الحقوق والحريات المنصوص
والمتعارف عليها دوليا ابتداءا من الحق في الحياة والكرامة الشخصية والحرية مرورا
بالمساواة أمام القانون والمساواة بين الرجال و النساء ومنع التعذيب والحق في
محاكمة عادلة والحق في اللجوء للقضاء انتهاءا بالحق في صيانة الحياة الخاصة وحرية
العقيدة والحق في التعبير و الإعلام والحقوق المدنية و السياسية والاقتصادية
الأخرى(1)
ونص الدستور في أول بند من بنود وثيقة الحقوق على أن
الحقوق الواردة في الدستور تحميها الدولة وتعززها وتضمن تنفيذها ، كما اعتبرت
الوثيقة أي من الحقوق و الحريات الواردة في مواثيق دولية صادقت عليها جمهورية
السودان جزء لا يتجزأ من الدستور .
كما نص الدستور على أن التشريعات تنظم هذه الحقوق والواجبات
ولا تصادرها أو تنتقص منها ، وهي إشارة ذكية إلى أن عبارة وفق القانون التي تأتي
في ذيل البنود المقرة للحقوق والحريات لا تبرر سلب تلك الحقوق أو إهدارها بأي حال
من الأحوال.
ولا يحتاج الأمر إلى إشارة منا إلى أن الصحافة تنتفع بكل تلك الحقوق و
الحريات الواردة في وثيقة الحقوق أو المواثيق الدولية المصادق عليها ، لكن البند الأهم
في تلك الوثيقة فيما يخص الصحافة هو البند (39) المعنون بـ(حرية التعبير و الإعلام)
(2) حيث تنص
الفقرة (2) منه على " تكفل الدولة حرية الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى وفقا
لما ينظمه القانون في مجتمع ديمقراطي".
ويلاحظ أن الفقرة قدمت الصحافة على وسائل الإعلام الأخرى في الترتيب وخصتها
بالأفراد بينما أجملت الأخريات وذلك عائد بالتأكيد لكون الصحافة وان كانت جزء من
الإعلام بصفة عامة ووسيلة من وسائله إلا أنها الوسيلة الأكثر شعبية والأقدم من بين
الوسائل الأخرى ، فقد ظلت الصحافة رغم التطور التكنولوجي الذي قادت إلى ظهور أشكال
متطورة جدا من أساليب الإعلام والنشر والمعلومات تحافظ باستمرار على موقعها في
مقدمة تلك الأشكال .
وبموجب الفقرة (2) فإن الدولة تلتزم بكفالة حرية الصحافة وفقا للقانون ومع
كون الوثيقة نصت في البند (27)(4) على أن القانون المنظم للحقوق ولا ينتقص منها
ولايصادرها إلا أن المادة (39) ولمزيد من الضبط أضافت عبارة " في مجتمع
ديمقراطي" في ذيل المادة مما يجعل صياغة المادة في غاية الإحكام وتذيل كل
المخاوف المترسبة والهواجس من تفسير عبارة وفقا للقانون.
وحرية الصحافة تعني عدم تعرض الصحف للرقابة وعدم تعرضها للمصادرة والإيقاف
وأن لا يتعرض أي محرر للمضايقة والاعتقال والحبس إلا بموجب إجراءات قانونية سليمة
أو أمر صادر من محكمة مختصة.
إن مسألة إيقاف الصحف أو حجبها عن الصدور هي من أكثر القضايا إثارة للجدل
القانوني ولكن بما أن الدستور كفل حرية الصحافة وفق القانون (وفي مجتمع ديمقراطي)
فإن الممارسة القانونية في الأنظمة الديمقراطية لا تعتمد إيقاف الصحف كعقوبة
قضائية فلا تتعرض أي مطبوعة صحفية للمصادرة أو الإيقاف أو الحجب لأن منع صحيفة عن
الصدور سواء كان بصفة نهائية أو مؤقتة هو أمر أشبه بالحكم بالإعدام على تلك
الصحيفة و على الرأي الذي تمثله ، والإعدام ليس من العقوبات التي توقع على الرأي إنما توقع على الأشياء المادية ، ولكنها أي
الأنظمة الديمقراطية تعتمد بالمقابل التعويض المادي والأدبي والغرامة المالية
كعقوبة على أي صحيفة تسبب أضرار لأي شخص أو جهة نتيجة لمادة صحفية نشرتها كما
تعتمد السجن كعقوبة على المحرر الذي يتعمد مخالفة القانون و إيقاع الضرر بالآخرين.
بينما تضع الفقرة (3) من البند (39) ما
يمكن اعتباره ضوابط يجب أن تتقيد بها الصحافة وواجبات على كل صحفي وإعلامي
مراعاتها و هي بمثابة محاذير وممنوعات حيث يقول النص:
" تلتزم كافة وسائل الإعلام بأخلاق المهنة
وبعدم إثارة الكراهية الدينية أو العرقية أو العنصرية أو الثقافية أو الدعوة للعنف
أو الحرب" ، وبرغم اتفاقنا مع ما كل ما ورد من عبارات تضمنتها الفقرة (3) فإن
هناك ملاحظتان :
الأولى :
هي أن ليس بوسع فقرة دستورية أن تتضمن كل المحاذير أو الموانع أو الحدود التي لا
يجب تعديها لأن هذا من مهام القوانين لا الدساتير لذا لا يمكن الاعتماد على أن
المحاذير الواردة في الفقرة (3) هي كل ما على الصحافة مراعاته.
الثانية :
هي أنه كان أجدى من حيث الصياغة والفقه الدستوري ، وطالما أن الحديث يدور عن
الحريات والحقوق أن تتجنب الفقرة وضع المحاذير والحدود وان تستعيض عن ذلك بذكر
الأمور الايجابية التي يمكن أن يطلب من الإعلام والصحافة دعمها و ترسيخها كتشجيع
السلم الاجتماعي والتعايش و محاربة الإرهاب والفساد ودعم الشفافية ...الخ ،
فالأمور السلبية لا يمكن حصرها في فقرة صغيره بينما الأمور والنواحي الايجابية
يمكن الاكتفاء بالإشارة العامة إليها .
أما الفقرة (1) من البند (39) فتوضح حق
المواطن في التعبير وفي تلقي ونشر المعلومات والمطبوعات ، ولهذه الفقرة شقان فهي
من جهة تتحدث عن حق المواطن وحريته في التعبير وتلقي المنشورات والوصول للصحافة ،
ومن جهة أخرى هي تتحدث عن المواطن كناشر أو مالك لصحيفة أو مطبوعة وفي كلا الحالين
تقرر الفقرة حقه في التلقي والنشر بلا قيود وفي الوصول للصحافة حيث تنص الفقرة على
" لكل مواطن حق لا يقيد في حرية التعبير وتلقي ونشر المعلومات والمطبوعات
والوصول للصحافة دون مساس بالنظام والسلامة والأخلاق العامة ، وذلك وفقا لما يحدده
القانون" .
وتجب الإشارة
هنا إلى انه وتنص الدستور لا يمكن استغلال عبارة دون المساس بالنظام... الخ ، و
عبارة وفق القانون واتخاذها مطية لسلب حرية الصحافة و التعبير.
2/ المواد المتعلقة بالصحافة في القانون الجنائي:
ذات ما ذكر عن الدستور يصح عند الحديث عن القانون الجنائي، إذ على الصحافة أن
تنتفع من كل المقاصد التي يحميها القانون الجنائي وبالمقابل فإنها (وكذا
الصحافيين) عرضة لمواجهة كل التهم المنصوص عليها في القانون.
مع ذلك فإن هناك نصوص محددة وجرائم بعينها لطبيعتها هي الأقرب إلى أن يقع
الصحافي تحت طائلتها هذه النصوص وفق القانون الجنائي لسنة 1991م (3) هي :
1. البند (55) من الباب الخامس (الجرائم الموجهة ضد الدولة)
والذي يتحدث عن إفشاء واستلام معلومات ومستندات رسمية سرية / وكما هو واضح يهدف
البند إلى حماية أسرار الدولة ، كون الأمر سريا هو واقعه تحددها المحكمة ولكن هناك
مؤشرات توضح لمن يتعاطى مع ملف أو مستند ما إذا كان هذا الملف سريا أم لا من هذه
المؤشرات ختم سري للغاية أو سري و شخصي الذي يوضع على المستند وأيضا طبيعة
المعلومات الموجودة فيه بحيث يكون الإفصاح عنها يضر بمصلحة الدولة أما إذا كان يضر
بمصالح أفراد محددين فليس من السرية في شيء.
2. البند (56) ويتعلق بإفشاء معلومات عسكرية يشكل تسريبها إضرارا
بمصالح البلد
3.
البند (63)
ويتعلق بالدعوة لمعارضة السلطة العامة بالعنف أو القوة الجنائية
4.
البند (64)
ويتعلق بالعمل على إثارة الكراهية الطائفية الدينية أو العرقية أو الثقافية ،
ويهدف البند إلى حماية السلام الاجتماعي
والتعايش وهو ما ينبغي أن تلتزم به الصحافة.
5. البند (66) ويتعلق بنشر الأخبار الكاذبة حيث ينص
على :
" من ينشر أو يذيع أي خبر أو إشاعة أو
تقرير مع علمه بعدم صحته ، وقاصدا أن يسبب خوفا أو ذعرا للجمهور أو تهديدا للسلام
العام ، أو انتقاصا من هيبة الدولة ، يعاقب بالسجن لمدة لا تجاوز الستة أشهر أو
بالغرامة أو بالعقوبتين معا".
وإن كان ثمة قصور في هذا البند فهو انه لا ينطبق
إلا في حالة توفر القصد أو النية في تهديد السلام العام...الخ ، في حين انه من
الأوفق المعاقبة على مجرد نشر الأخبار الكاذبة مع العلم بعدم صحتها وذلك للمحافظة
على قيمة الصدق
6. البند (125) من الباب الثالث عشر والمتعلق بإهانة
العقائد الدينية ، حيث ينص البند على معاقبة من يسب علنا أو يهين بأي طريقة أيا من
الأديان أو شعائرها أو مقدساتها أو يعمل على إثارة شعور الاحتقار والزراية
بمعتنقيها.
7. البند (135) ويحظر صنع أو تصدير أو حيازة مواد مخلة
بالآداب العامة وكذا يحظر البند التعامل في تلك المواد أو تقديمها أو عرضها،
والمواد المذكورة قد تكون صور كما وضح النص أو قد تكون مقال أو أي عمل صحفي آخر.
8. البند (159) "إشانة السمعة" وهي من أكثر
الجرائم التي قد يرتكبها صحفي أو صحيفة ما ، حيث ينص البند على " يعد مرتكبا
جريمة إشانة السمعة من ينشر أو يروي أو ينقل لآخر بأي وسيلة وقائع مسندة إلى شخص
معين أو تقييما لسلوكه قاصدا بذلك الإضرار بسمعته".
ويهدف البند إلى حماية سمعة
الأفراد من أن تصبح عرضة للقيل و القال ويشترط لتطبيق البند أن يتوفر قصد الاضرار بالسمعة
فإن لم يتوفر ذلك القصد فلا جريمة ، ووضع البند استثناءات مهمة معتبرا فيها عدم
توفر قصد الاضرار بالسمعة من تلك الاستثناءات (الفقرة ج 2) حيث لا يعتبر الفعل
مضرا بالسمعة في حق من يرشح نفسه لمنصب عام أو تقويما لأهليته أو ادائه ، والفقرة
(و 2) فلا يعتبر الفعل مضرا بالسمعة من عرض نفسه أو عمله على الرأي العام للحكم
عليه وكان التقييم بقدر ما يقتضي الحكم ، وفي الحالتين لا ينبغي التجاوز و الشطط
بحيث تصبح سمعة من يترشح لمنصب عام أو يعرض نفسه أو عمله للرأي العام عرضة
الانتهاك اذ يجب ان يكون التقويم والنقد موضوعيا بقدر ما يستدعيه الحال فلا يجوز
مثلا الخوض في الحياة الخاصة للمرشح مثلا فهناك خيط رفيع بين ماهو عام يهم الرأي
العام وما هو خاص وشخصي يتعلق بالمرشح أو شاغل المنصب العام.
9. البند (160) ويتعلق بالإساءة و السباب ، حيث ينص على
معاقبة من يوجه إساءة أو سباب لشخص قاصدا بذلك إهانته ، ويرمي البند إلى حماية
الأفراد من الإهانة بالسباب ، وينبغي على الصحافة ان تتجنب اهانة الأشخاص أو سبهم.
2/ الصحافة وقانون الإجراءات الجنائية :
مثلما تقع الصحافة تحت
طائلة مواد القانون الجنائي فإنها عرضة أيضا لمواد قانون الإجراءات الجنائية لسنة
1991م لأنه يمثل الذراع التنفيذي للقانون الجنائي وهو الذي يخول سلطة تنفيذ
القانون للشرطة والنيابة العامة والجهاز القضائي .
ويحدد قانون الإجراءات
الجنائية(4) الأسس والقواعد العامة / والتي جاءت متسقة مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان
/ التي يجب اتخاذها حيال الشخص المطلوب بموجب مخالفته للقانون الجنائي ، كالقاعدة التي
تقر ان المتهم بريء حتى تثبت إدانته بموجب تحري ومحاكمة عادلة ، فلا يجوز معاملة
المتهم والنظر إليه كمدان قبل ان تقرر ذلك محكمة مختصة ، والقاعدة التي تحظر
الاعتداء على نفس المتهم وماله وعدم إجباره على تقديم دليل ضد نفسه "بالتعذيب
مثلا"، وكما يوضح القواعد القانونية الحقوقية التي تحكم إجراءات القبض والإحضار
والتفتيش والحجز والتحري والمحاكمة ، كالقواعد التي تحظر القبض بدون أمر صادر عن
قاضي أو وكيل النائب العام والتي تأمر بإطلاع الشخص المراد القبض عليه على أمر
القبض ، وعدم التفتيش بدون أمر قانوني وعدم حجز أو حبس أي شيء أو شخص دون أمر قانوني
، وهي كلها أمور على الصحفي ان يلم بها حتى يتمكن من معرفة حقوقه والدفاع عنها
وعدم مخالفتها .
الصحافة و الامتيازات القانونية
هناك العديد من الامتيازات القانونية
التي تطورت عن مبادئ إعلامية وصحفية ثم تحولت إلى قواعد منصوص عليها قانونا أو متعارف
عليها ، غير ان القانون أو النظام القانوني السوداني لم يعرف أيا من هذه
الامتيازات ، ولعل سبب هذا التجاهل ناتج عن عدم استقرار التجربة الصحفية السودانية
، فهذه الأخيرة رغم قدمها التاريخي ظلت متأثرة بحالة عدم الاستقرار السياسي الذي
تسبب بدوره في إغلاق وإيقاف ومصادرة عدد من الصحف السودانية في فترات وحقب زمنية
مختلفة مما أعاق عملية بلورة أدبيات ومبادئ خاصة بالصحافة السودانية وقلل من فرص
تطور صناعة الصحافة وتلاقحها مع التجربة الصحفية العالمية بمبادئها وأسسها
الراسخة.
من ابرز الامتيازات القانونية التي تستفيد منها
الصحافة المبدأ الذي يأمر بتسهيل عملية حصول الصحفي على المعلومة (الشفافية)
والمبدأ الذي يقرر حماية مصادر معلومات الصحافة وفيما يلي تفصيل ذلك :
1.
تسهيلات الحصول على المعلومة :-
يتمثل هذا المبدأ بالخصوص في
الترخيص للعاملين في سلك الصحافة بالدخول إلى كل المرافق العامة وطلب المعلومات من
أي موظف عام مسؤول فيها ، وعبارة مرفق عام لا تعني مرافق الدولة ولكن أي مرفق أو
مكان مفتوح للعامة أو يقدم خدمة للجمهور أيا كانت طبيعة هذه الخدمة مع ملاحظة انه
ليست كل مرافق الدولة تعتبر عامة فهناك مرافق ذات طبيعة سرية كالمناطق العسكرية التي
يحظر تصويرها والدخول إليها.
لقد اعترفت العديد من الأنظمة السياسية والقانونية بالأهمية المتزايدة لعمل
الصحافة ولمبدأ الشفافية فقررت للصحفي الحق في طلب المعلومات من أي موظف مسؤول
ابتداءا من رئيس الدولة و انتهاءا بأدنى موظف ، وألقت على الآخرين مسؤولية توفير
إجابات لكل تساؤلات الصحافة وفتح الأبواب أمامها
لإجراء المحادثات والتحقيقات الصحفية.
لقد
اقر القانون الجنائي السوداني في الباب المتعلق بالموظف العام(5) قواعد تجرم
الامتناع عن تقديم بيانات صحيحة ومعلومات يطلبها الموظف العام ولكن لم يقرر العكس
، لذا فمن المنطقي المطالبة بأن يتضمن القانون قواعد تجرم الموظف العام الذي يمتنع
عن تقديم معلومات وبيانات أو مستندات للصحافة إقرارا لمبدأ الشفافية.
2.
حماية المصدر الصحفي:-
وحماية المصادر احد أهم
القواعد المتعارف عليها قانونا ، ويقرر هذا المبدأ قاعدة عدم إجبار الصحفي على
الكشف عن المصدر الذي حصل عبره على المعلومات ، وهذه قاعدة ملزمة للمحاكم وأجهزة
العدل الأخرى ، وتساعد هذه القاعدة على حصول الصحفي على المعلومات وتحث الجميع على
التعاون مع الصحافة دون خوف من التشهير أو المساءلة.
ومن المهم معرفة ان هذه
القاعدة ليست مطلقة ، أي لا تنطبق في جميع الأحوال ، فمثلا في حالة حصول الصحفي
على معلومات سرية لا يجوز الكشف عنها لكونها لا تمثل معلومة مفيدة للجمهور ولا
تهمه في شيء وإنما معلومة خاصة بجهاز من أجهزة الدولة فإنه لا يستطيع طلب حماية
مصدره ، وطبق هذا المبدأ/الاستثناء في محاكمة الصحفية الأمريكية جوديت ميلر عندما شاركت في
تسريب اسم عميلة "Agent" بجهاز الـسي – آي – إيه ، وكان موظف بالإدارة الأمريكية سرب اسم
العميلة للصحفية و ذلك كعقاب لزوجها الموظف بالإدارة الأمريكية على موقفه الرافض
لمبررات الحرب على العراق ، وعندما رفع هذا الأخير دعوى أمام المحكمة الأمريكية
على الصحفية طلبت المحكمة منها الكشف عن مصدر هذه المعلومة فرفضت الصحفية استنادا
على قاعدة حماية المصادر فكان ان قررت المحكمة سجنها لأن الحماية لا تتوفر في هذه
الحالة(6)
.
فقاعدة
حماية المصدر لا تنطبق إذا في حالة ما تشكل المعلومة التي تم الحصول عليها تجاوزا أو
عملا إجراميا ، وعدم الكشف عن المصدر في هذه الحالة يمثل تسترا على شخص مطلوب
للعدالة لا حماية قانونية له .
ونرى ان
تنص القوانين السودانية على قاعدة حماية المصدر "وحماية المصادر ليست وقفا
على الصحافة فقط وإنما أيضا تستفيد منها أجهزة الشرطة و الأمن وكل أجهزة رصد
وتحليل المعلومات التي تحتاج إلى حماية وإبعاد مصادرها عن الأضواء " ، و النص
القانوني الصريح على حماية المصدر الصحفي مهم جدا ، صحيح ان الصحافة لم تصل بعد إلى
المرحلة التي تمكنها من إثارة هذا المبدأ وفرضه إلا ان النص القانوني بإقراره
يمثلا دعما قانونيا وتشجيعا للصحافة حتى تقوم بدور فاعل في عملية التوعية وإعمال
مبدأ الشفافية ورقابة الرأي العام ومشاركته في عملية التحول الديمقراطي الراهنة.
الصحافة وتطبيقات القانون
تناول الفصلان السابقان علاقة
القانون والصحافة من ناحية نظرية محضة ، وهذا الفصل الأخير يتطرق للممارسة
القانونية والتطبيقات العملية للقانون على ارض الواقع سواء كان ذلك على المستوى الإجرائي
من قبل الشرطة أو النيابة أو القضاء ، أو على المستوى الموضوعي أي ما يختص بتطبيق
جوهر القانون على قضايا الصحافة لمعرفة ما يكون عليه الحال عندما توضع الأقلام في
قفص الاتهام.
1/ التطبيق الإجرائي القانوني:
أ. معاملة أجهزة العدالة للصحافة :
فيما يخص تعامل أجهزة
القانون مع الصحافة عندما تكون الأخيرة في موقع المتهم أو المدعى عليها فإن ذلك
محكوم بنصوص الدستور والقانون الإجرائي بصفة عامة كما سبقت الإشارة إليه ، فالصحفي
كغيره يستفيد من قاعدة المتهم بريء ومن نصوص منع الاعتداء على المتهم وعموما ينص
القانون على الرفق في تطبيق إجراءاته ولا يتم اللجوء إلى التشدد إلا عند الضرورة ،
وينص أيضا بمعاملة المقبوض عليه بما يحفظ كرامته وعدم إيذائه ماديا أو معنويا وعدم
تقييد حركة بأكثر مما يلزم وتوفير وكفالة حق الاتصال بمحامية وأسرته أو جهة عمله وله الحق في الحصول على حاجته من مواد
الغذاء والكساء والثقافة " صحف وخلافه" ، تلك هي نصوص القانون التي تحكم
تعامل الأجهزة العدلية مع الشخص الذي يقع تحت طائلة القانون.
وعموما يتسم تعامل أجهزة العدل مع
الصحافة و الصحفيين بقدر من الكياسة والاحترام والرفق المنصوص عليه قانونا، بينما
في حالات نادرة تحدث تجاوزات خصوصا من أجهزة الشرطة مثل الحالة التي تعرض فيها
صحفي من صحيفة الرأي العام للاعتداء بالضرب.
ويصح القول انه لا يمكن بأي حال ضمان
ان تعامل الصحافة دائما بالاحترام اللائق ما لم نضمن هذا الاحترام الجدير بالكرامة
الإنسانية والمتسق مع حقوق الإنسان للمواطن العادي ، وللصحافة كغيرها من قطاعات
المجتمع المدني دور مهم في ذلك فمن خلال كشفها للتجاوزات التي تقع من أجهزة تنفيذ
القانون و تسليطها الضوء على الخروقات التي ترتكب والانتهاكات التي تحدث لحقوق المتهم الإنسانية وسعيها للتحقيق العادل
والمستقل في تلك الخروقات ومحاسبة المسؤولين عنها
يمكن ان تقدم خدمة جليلة للتجربة القانونية في حقل الممارسة وتنفيذ قانون و
تقدم خدمة جليلة للمواطن وللرأي العام أيضا .
ب.
نيابة ومحكمة
الصحافة و المطبوعات
في إطار
الممارسة القانونية خصصت وزارة العدل نيابة للتعامل مع قضايا الصحافة والمطبوعات و
تم أيضا تخصيص محكمة للنظر في تلك القضايا ، وفي واقع الحال فإن مقر النيابة هو
مدينة الخرطوم ، وهذا الأمر "التخصيص" جيد ان كان المقصود منه توحيد
الجهة التي تنظر وتتعامل مع القضايا ذات الطبيعة الخاصة ، وخصوصية القضية أو
الدعوى لا تحددها طبيعة الأطراف فقط وإنما جوهر النزاع نفسه وموضوع الدعوى ،
فالخصوصية هي خصوصية نوعية تتعلق بالموضوع لا الشكل(7) ، بعبارة أخرى إن
كانت هذه الأجهزة الخاصة شكلت لتنظر دعاوى ذات صلة بالملكية الفكرية كالسرقات
الأدبية التي قد ترتكبها الصحف أو الاقتباس دون إيراد المصدر أو الخلافات
والنزاعات التي تحدث بين مؤلف ودار طباعة و نشر بخصوص الحقوق ، أو بين دار نشر
ودار نشر أخرى ، أو بين صحفي وصحيفة بشأن أدبيات وأخلاقيات المهنة وحقوق الصحفي ..
الخ، فإن هذا التخصيص – أي إنشاء نيابة ومحكمة خاصة للصحافة والمطبوعات- يكون
مفهوما بل و مرغوبا نسبة للطبيعة الموضوعية المعقدة لهذه النزاعات ولكون أطراف هذه
المنازعات جهات محددة و قليلة بحيث يسهل معهم التخصيص.
أما
أن تنظر النيابة و المحكمة الخاصة في قضايا عامة كالقضايا الجنائية بين مواطن عادي
أو أي مؤسسة أخرى غير عاملة في مجال النشر على أساس إشانة السمعة أو نشر الأخبار
الكاذبة أو السباب أو حتى المنازعات المدنية القائمة على أساس الضرر أو الإخلال بالتزامات
تعاقدية فهذا التخصيص غير مرغوب البتة لأنه في المقام الأول يهدر حقا إنسانيا
أساسيا هو حق الاحتكام إلى المحاكم العادية " غير الخاصة " ، وهو حق
كفله الدستور ، ثم لأنه أيضا يمثل عقبة إجرائية أمام من يرغب في مقاضاة صحفي أو
صحيفة فلا يعقل أن يجبر المتضرر أو الشاكي الذي يقيم في مدني أو دنقلا أو ملكال
على الحضور إلى الخرطوم حتى يتمكن من مباشرة الإجراءات القانونية ضد صحيفة ألحقت
به ضررا في موطن إقامته
جـ. التطبيق
الموضوعي للقانون
(أحكام العقوبات والمعالجات التي تصدر في حق الصحف)
تتنوع الأحكام التي يخولها القانون
وتصدرها المحاكم في قضايا الصحافة بين الإيقاف، إلغاء الترخيص، حبس الصحفي، الغرامة،
التعويض. هذا التنوع ناتج عن تنوع الدعاوي و المنازعات والذي أشرنا إليه سابقا .
وهنا نتعرض
بالتفصيل لهذه الأحكام كالعقوبة أو المعالجة.
1.
الإيقاف :
والحكم بالإيقاف يعني منع الصحيفة من
الصدور لفترة زمنية يحددها قرار الإيقاف والإيقاف بهذا المعنى هو قيد يفرض على
الصحف ، وآخر نموذج لتطبيق هذا القيد كان في السابقة القضائية ( حكومة السودان ضد
صحيفة الوفاق ) حيث أصدرت المحكمة حكما بإيقاف الصحيفة لمدة ثلاثة أشهر(8)
.
إن إيقاف الصحيفة بمثابة حكم بالسجن عليها و
سجن "الرأي" الذي تمثله وهي كما لا يخفى عقوبة متشددة و مخالفة للنصوص
الدستورية التي تأمر بعدم تقييد حرية الرأي والتعبير ، كما أن عقوبة السجن
"الإيقاف" تصدر بحق الشخص العادي لا الشخص الاعتباري وللصحيفة شخصية
اعتبارية لذا يجب إلغاء النصوص التي تخول الحكم أو الأمر بإيقاف الصحف والاستعاضة
عنها بأحكام أخرى لا تمس بحرية التعبير والرأي .
2.
إلغاء
الترخيص :
وإن كان الإيقاف هو بمثابة السجن فإن إلغاء
الترخيص يمكن مقارنته بالإعدام "مصادرة حق الحياة" ، فالحكم بإلغاء
ترخيص صحيفة هو حكم بالإعدام و أيضا يصح القول بأن إعدام "الرأي" والفكر
أمر لا يخوله الدستور ولا المنطق القانوني السليم ، وآخر قرار صدر بإلغاء ترخيص
صحيفة وإيقافها نهائيا كان قد أصدرته المحكمة ضد صحيفة الخرطوم مونيتر الناطقة
بالإنجليزية وقد عادت الصحيفة حاليا "بعثت" بقرار سياسي وهو ما يعكس
تأخر القانون عن مواكبة التطورات السياسية في الوقت الذي ينبغي فيه أن يكون القانون
والقضاء في مقدمة ركب التغيير ، فالقانون و القضاء المستقل يلجأ إليهما المواطنين
والمؤسسات لحمايتهم من تغول و جور الأجهزة التنفيذية والسياسية و صون حقوقهم
الطبيعية لا العكس.
لذا ينبغي أيضا تعديل
القوانين التي تخول إلغاء تراخيص الصحف ومنعها من الصدور و الاستعاضة عن ذلك بأحكام
لا تمس الحق الدستوري والإنساني والذي يكفل حرية الرأي والفكر و التعبير.
3.
حبس
الصحفي:
الصحفي مثل
غيره من الأشخاص الطبيعيين ليس فوق القانون ، فلا أحد فوق القانون لذا فهو عرضة
لأن يصدر بحقه حكم بالسجن قد يتعرض للحبس أثناء التحقيق والمحاكمة ، والملاحظ هنا
مع كون السجن والحبس جائز قانونا ودستورا في حق الصحفي إلى أن الأجهزة العدلية
تتجنب بقدر الإمكان اللجوء لهذا الخيار، وحتى عندما تصدر المحاكم أمرا بسجن صحفي
تصدره مع وقف النفاذ وهذه بادرة حسنة اذا اتسقت معها بقية الأحكام والنصوص
العقابية بحق الصحف.
4.
الغرامة:
والحكم بفرض غرامة على صحيفة ما يصدر في
حالة ارتكاب الصحيفة لفعل يضر بالمصلحة والنظام العام و المجتمع لذا فعقوبة مثل
ذلك الفعل "الجريمة" هو الغرامة المالية التي تفرض لمصلحة النظام العام
و تذهب الغرامة المالية للجهاز المالي للدولة الذي يوظف المال لخدمة المجتمع .
5.
التعويض:
ويصدر الحكم بالتعويض في حالة الضرر الخاص الذي
تلحقه الصحف بشخص عادي أو اعتباري "مؤسسة" لذا يفرض التعويض لجبر
الخسارة المادية أو المعنوية ، والتعويض يمكن الحكم به في القضايا المدنية
كالإخلال بالتزامات تعاقدية أو أضرار مدنية أخرى لا يتوافر فيها القصد الجنائي وفي
القضايا الجنائية كإساءة السمعة والسباب .
وتعتبر الغرامة والتعويض من أنجع العقوبات
والمعالجات التي يمكن فرضها للحد من مخالفات وتجاوزات الصحف لكونهما يمثلان من جهة
رادع قوي تتحسب منه الصحف لأنه سيضعف مركزها المالي و من ثم قدرتها التنافسية في
سوق النشر والتوزيع ويمكن أن يؤدي إلى توقف الصحف من تلقاء ذاتها أن تكرر فرض
الغرامة والتعويض عليها ، وهما من جهة أخرى عقاب عادل ومنصف يجنبنا عقوبات الإيقاف
و إلغاء التراخيص القاسية وغير المنصفة .
و مما يجدر
ذكره في ختام هذا المبحث هو أن هناك قاعدة صحفية وقانونية يجب أن تلتزم بها الصحف
في جميع الحالات التي يتعلق فيها الأمر بشأن معروض أمام القضاء سواء أن كانت الصحف
طرفا في النزاع أم لم تكن ، وتنص تلك القاعدة على أن تمتنع الصحف عن تناول المواضيع
المعروضة أمام المحاكم بأي شكل من الأشكال عدا التناول كمادة خبرية وذلك حتى لا
تؤثر ولا تحاول التأثير على القضاة الذين ينظرون ذلك الأمر أو تلك القضية ، و هذه
القاعدة أضحت معروفة من قبل الصحفيين وتمثل جزءا من أخلاقيات المهنة التي يجب أن
يلم بها أي شخص لديه صلة بعالم الصحافة ، وفي حالة الإخلال بتلك القاعدة فإن
الصحيفة تجد نفسها معرضة للمساءلة بموجب القانون الجنائي بقواعده التي تحظر
التأثير على سير العدالة
خاتمة
إن علاقة مؤسسات الصحافة بأجهزة القانون وكما
يمكننا التقرير باطمئنان ظلت طيلة الفترة الماضية –منذ الاستقلال والى الآن- تفتقد
إلى التوازن الذي يؤدي إلى ان تلعب الصحافة دورها المدني ، السياسي ، الثقافي
والاجتماعي المنشود وتؤدي أجهزة القانون دورها دون احتكاكات أو توتر خطير بينهما ،
أما في الوقت الراهن فإن هذه العلاقة تتلمس طريقها للخروج من نفق الشد والجذب
والجدل إلى أفق أكثر رحابة مستفيدا من أجواء التحول الديمقراطي التي تنتظم البلاد
حاليا.
إن الأسباب التي كانت وراء صيغة الرقابة إلى
درجة مصادرة الحرية الصحفية وتكميم الأفواه وعد الأنفاس في عهد الحكومات الشمولية،
والحرية غير الملتزمة بسقف من أخلاقيات المهنة ومراعاة القانون في عهد الحكومات
الديمقراطية تعود بالأساس إلى:
أولا : حالة عدم الاستقرار ، و
عدم الاستقرار السياسي يؤثر بالضرورة على استقرار مؤسسات الصحافة ومن ثم الممارسة
الصحفية ، فالاستقرار المهني مهم حتى تتمكن الصحافة من بلورة أدبياتها وإرساء
أخلاقياتها مما يضمن الضبط الذاتي للأداء الصحفي هذا من جانب و من الجانب الأخر
فإن الاستقرار السياسي يؤدي إلى استقرار قانوني وهو ما يعين على رسوخ قواعد
القانون و تحسين ممارسة أجهزة القانون و تطوير أساليبها في التعامل مع كل الحالات
بما في ذلك قضايا الصحف.
ثانيا : حداثة التجربة الصحفية
في السودان ، و لا نعني بالحداثة هنا الفترة الزمنية بأي حال من الأحوال لأن عمر
الصحافة السودانية يقارب الآن قرن تقريبا ، لكن نعني أن الصحافة رغم عمرها المديد
لم تتطور مهنيا فهي ما تزال مثلا مملوكة في الغالب من الأحيان لأسر وعوائل أو
لمجموعات ضيقة تجمعها مصالح سياسية "أحزاب" أو دينية أو اقتصادية ...الخ
، ولا توجد صحيفة مملوكة أو مفتوحة للعامة بحيث تطرح أسهمها للجمهور ويشارك
الجمهور في إدارتها فالانفتاح على العامة يوفر سند كبير للصحف ويفتح باب المساهمة
في تطوير الأداء الصحفي على مصراعيه لأفكار جديدة .
ثالثا : ضعف الاهتمام بالتدريب
والتأهيل الصحفي ، فلا تزال الصحف تعتمد على كليات الإعلام و حتى دارسي الإعلام
ينحصر تأثيرهم في نطاق ضيق ، ومعروف أن الإعلام مجاله واسع جدا و تمثل الصحافة
بعضا من اهتمامه ، لذا لا بد من إقامة معاهد لتدريس علوم الصحافة وتدريب الصحفيين
كخطوة عملية وعلمية لترسيخ وتجويد الأداء
الصحفي المهني وحتى لا تصبح الصحافة مهنة من لا مهنة له كما يصفها البعض.
إن الصيغة البديلة التي نقترح لتحل محل صيغ
الرقابة القانونية / أو الانفلات الصحفي لتحكم مستقبل العلاقة بين مؤسسات الصحافة
وأجهزة القانون هي صيغة الضبط والتوازن check and balance وهي
صيغة معروفة تحكم أجهزة الحكم الديمقراطي و تمتاز عن الصيغة القديمة بأنها مشتركة
يساهم فيها طرفي العلاقة فلا تنفرد أجهزة القانون بالرقابة مثلا أو المؤسسات
الصحفية بتقرير القواعد الملزمة لها كما هو الحال طيلة العقود الماضية.
و بموجب قاعدة الضبط والتوازن التفاعلية يمكن
لأجهزة القانون ان تمارس سلطتها عندما تتجاوز الصحف حدود المهنة فتضر بالدولة أو
بالجماهير أو بالأفراد وذلك في حدود الدستور والقانون و تلتزم بتقاليد العمل
الديمقراطي في ذلك ، وبالمقابل تراقب الصحف أجهزة الدولة والحكم بما في ذلك أجهزة
تنفيذ القوانين فترصد وتوضح حالات القصور والخلل والانتهاكات التي تحدث في القانون
ولحقوق الإنسان و تجتهد في التمسك بمبدأ الشفافية للكشف عن مرتكبي المخالفات و
الانتهاكات و محاسبتهم أمام القضاء أو الجهة المختصة وذلك دون اللجوء للإثارة غير
الضرورية و دون ان تنتهك القواعد القانونية .
له مساهمات نشرت بالصحف المحلية
تعليقات
إرسال تعليق